للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: قد يكون وحي الله إلى هؤلاء النسوة أم موسى وآسية. . إنّما وقع مناماً، فقد علمنا أنّ من الوحي ما يكون مناماً، وهذا يقع لغير الأنبياء. الثالث: لا نسلم لهم قولهم: إن كل من خاطبته الملائكة فهو نبي، ففي الحديث أن الله أرسل ملكاً لرجل يزور أخاً له في الله في قرية أخرى، فسأله عن سبب زيارته له، فلمّا أخبره أنه يحبّه في الله، أعلمه أنَّ الله قد بعثه إليه ليخبره أنه يحبّه، وقصة الأقرع والأبرص والأعمى معروفة، وقد جاء جبريل يعلم الصحابة أمر دينهم بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يشاهدونه ويسمعونه. الرابع: أنّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – توقف في نبوة ذي القرنين مع إخبار القرآن بأنّ الله أوحى إليه قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً [الكهف: ٨٦].

الخامس: لا حجّة لهم في النصوص الدالة على اصطفاء الله لمريم، فالله قد صرح بأنّه اصطفى غير الأنبياء: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر: ٣٢]، واصطفى آل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ومن آلهما من ليس بنبيّ جزماً إِنّ اللهَ اصْطَفَىَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: ٣٣]. السادس: لا يلزم من لفظ الكمال الوارد في الحديث الذي احتجوا به النبوة، لأنّه يطلق لتمام الشيء، وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغ النساء الكاملات النهاية في جميع الفضائل التي للنساء، وعلى ذلك فالكمال هنا غير كمال الأنبياء.

السابع: ورد في بعض الأحاديث النصّ على أن خديجة من الكاملات (١) وهذا يبين أن الكمال هنا ليس كمال النبوة.

الثامن: ورد في بعض الأحاديث أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلاّ ما كان من مريم ابنة عمران (٢)، وهذا يبطل القول بنبوة من عدا مريم كأم موسى وآسية، لأنّ فاطمة ليست بنبيّة جزماً وقد نصَّ الحديث على أنها أفضل من غيرها، فلو كانت أم موسى وآسية نبيتان لكانتا أفضل من فاطمة.

التاسع: وصف مريم بأنها صديقة في مقام الثناء عليها والإخبار بفضلها، قال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة: ٧٥] فلو كان هناك وصفاً أعلى من ذلك لوصفها به، ولم يأت في نصّ قرآني ولا في حديث نبويّ صحيح إخبار بنبوة واحدة من النساء. وقد نقل القاضي عياض عن جمهور الفقهاء أنّ مريم ليست بنبيّة (٣)، وذكر النووي في (الأذكار) عن إمام الحرمين أنّه نقل الإجماع على أنّ مريم ليست نبيّة (٤)، ونسبه في (شرح المهذب) لجماعة، وجاء عن الحسن البصري: ليس في النساء نبيّة ولا في الجنّ (٥). الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص ٨٦


(١) رواه ابن مردويه كما في ((البداية والنهاية)) لابن كثير (٣/ ١٢٧). من حديث قرة بن إياس المزني. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى شعبة وبعده.
(٢) رواه أحمد (٣/ ٨٠) (١١٧٧٣). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (٦/ ٥١٥): إسناده حسن، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٣١٨١).
(٣) ((إكمال المعلم)) (٧/ ٢٢٣).
(٤) ((الأذكار)) (ص: ١١٩).
(٥) ((فتح الباري)) (٦/ ٤٧١، ٤٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>