للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حزم – رحمه الله -: (ذهبت جميع أهل الإسلام من أهل السنة والمعتزلة .. أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة .. ونقول إنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد ويقع منهم أيضاً قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب به منه فيوافق خلاف مراد الله تعالى إلا أنه تعالى لا يقرهم على شيء من هذين الوجهين) (١).

وقال ابن حزم أيضاً: (والأنبياء عليهم السلام، لا يعصون الله تعالى لا بكبيرة ولا صغيرة على سبيل العمد، لأنهم معصومون، والناس مأمورون بالاقتداء بهم، ولا يجوز الأمر بالاقتداء بمن يعصي) (٢).

ذكر مستند الإجماع على عصمة الأنبياء: مسألة العصمة للأنبياء تعلم من دين الإسلام بالضرورة، وذلك أن الله عز وجل جعل دينه المقبول عنده هو ما شرعه الأنبياء وأمروا به، كما قال تعالى: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ [البقرة: ٢٨٥].

وقال تعالى: قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ البقرة: ١٣٦ - ١٣٧.

وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ [النساء: ٨٠] الآية.

فلو كان الأنبياء غير معصومين فيما يبلغونه من شرع الله لما ذكر الله عز وجل هذا الثناء على المؤمنين بإيمانهم برسل الله وطاعتهم لهم، بل قد يكون هذا الثناء والخبر غشا وعدم تبيين للناس وقد قال تعالى: يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء: ٢٦].

بل حكم الله على من آمن بمثل ما آمن به الأنبياء بالاهتداء .. ولو كانوا غير معصومين لما حكم لمن آمن بمثل ما آمنوا به بذلك، وأظهر من هذا كله أن جعل من يطيعهم فقد أطاع الله، وهذا لا يمكن إلا لمعصوم، ولو كانوا غير معصومين لكان في ذلك هدم للدين ونزع لجذوره، ولهذا يعبر شيخ الإسلام –رحمه الله- عن عصمة الأنبياء بأنها مقصود الرسالة (٣)، فلن يستقيم للدين أمره وللرسالة مقصودها إلا بعصمة الأنبياء فيما يبلغونه من شرع الله، وسواء قلنا العصمة ابتداء أو عدم إقرار الأنبياء على خطأ في التبليغ؛ فالمقصود أنهم معصومون فيما يبلغونه من شرع الله، وسواء قلنا العصمة ابتداء أو عدم إقرار الأنبياء على خطأ في التبليغ؛ فالمقصود أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله، ولهذا وجب أتباعهم وعدم مخالفتهم، وهذه لا تكون إلا للمعصوم من الخطأ. المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين – ص: ٧٧٧


(١) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٤/ ٢).
(٢) ((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (ص: ٢٢٩).
(٣) ((منهاج السنة)) (١/ ٤٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>