للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث أبي قتادة الطويل في تلك الغزوة: ((ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيءٌ من ماء فتوضّأً منها وضوءاً دون وضوء، قال وبقي منها شيء من ماءٍ، ثم قال لأبي قتادة: احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ)) الحديث، إلى أَنْ قال: ((فانتهينا إلى الناس حين امتدَّ النهار وحمي كل شيء وهم يقولون: يا رسولَ اللهِ هلكنا عطشاً فقال: لا هلك عليكم – ثم قال – اطلقوا لي غمري قال ودعا بالميضأة فجعل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصبُّ وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أَنْ رأى الناس ماءً في الميضأة تكابوا عليها، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أحسنوا الملء كلكم سيروى. قال: ففعلوا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبُّ وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اشربْ فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسولَ اللهِ، قال: إِنَّ ساقي القوم آخرهم شرباً قال فشربْتُ وشرب رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال فأتى الناس الماء جامين رواء)) (١).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّه كان يقول: ((والله الذي لا إله إلا هو إِنْ كُنْتُ لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإِنْ كنت لأَشُدَّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدتُ يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية مِنْ كتاب الله ما سألته إلاّ ليشبعني فمرَّ ولم يفعل، ثم مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمرَّ ولم يفعل، ثم مرّ أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسَّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال: (أبا هر) قلتُ: لبيك يا رسولَ اللهِ. قال: (الحق) ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأَذن لي فدخل فوجد لبناً في قدح فقال: (مِنْ أين هذا اللبن؟) قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: (أبا هر) قلت: لبيك يا رسولَ اللهِ، قال: (الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي)، قال: وأَهل الصُّفَّةِ أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مالٍ ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأَشركهم فيها، فساءني ذلك فقلتُ: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أَحقُّ أَنْ أُصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنتُ أَنا أعطيهم، وما عسى أَنْ يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتُهم فدعوتُهم، فأَقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: (أبا هر) قلتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: (خذ فأعطهم) قال: فأخذتُ القدح فجعلتُ أُعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد عليّ القدح، فأُعطي الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرُدُّ عليّ القدح، حتى انتهيتُ إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد روى القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إِليّ فتبسَّم فقال: (يا أبا هر) قلت: لبيك يا رسولَ اللهِ قال: (بقيتُ أَنا وأَنت) قلت: صدقْتَ يا رسولَ اللهِ، قال: (اقعد فاشرب) فقعدتُ فشربْتُ، فما زال يقول اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مسلكاً، قال: (فأرني) فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة)) (٢). معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص ١٢٨٢


(١) رواه مسلم (٦٨١).
(٢) رواه البخاري (٦٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>