للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ذلك عند أول ما أتياه ولا يدل على أَنَّه استمر نائماً، ولذا كانت رؤيا الأنبياء وحْياً، ولكن في سياق الأحاديث من ركوبه ونزوله وربطه وصلاته وصعوده وهبوطه وغير ذلك ما يدل على أنه أُسري بروحه وجسده يقظة لا مناماً، وكذا لا ينافي ذلك رواية شريك: ((فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام)) (١) فإن رواية شريك فيها أوهام كثيرة تخالف رواية الجمهور عن أنس في أكثر من عشرة مواضع سردها في الفتح، وسياقه يدل على أّنَّه بالمعنى، وصرَّح في مواضع كثيرة أَنَّه لم يثبتها، وتصريح الآية سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:١] شامل للروح والجسد، وكذلك قوله تعالى: في سورة النجم وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى [النجم:١٣ - ١٤] جعل رؤية النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لجبريل عند سدرة المنتهى مقابلاً لرؤيته إياه في الأبطح، وهي رؤية عين حقيقة لا مناماً. ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم كُنَّا نضربُ أكبادَ الإِبل إلى بيت المقدس شهراً ذهاباً وشهراً إياباً، ومحمدٌ يزعم أّنَّه أُسري به إليه وأصبح فينا، إلى آخر تكذيبهم واستهزائهم به صلى الله عليه وسلم، لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى، لأنَّ الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاداً لرؤياه، وإنما قصَّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناماً فكذَّبوه واستهزؤوا به استبعاداً لذلك واستعظاماً له، مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأَنَّ الله يفعل ما يريد، ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال: إنْ كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدقه بذلك؟ قال: نعم، إِنِّي لأُصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرةً وعشياً. أو كما قال. معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص ١٢٣٦


(١) رواه البخاري (٧٥١٧) بلفظ: (واستيقظ وهو في المسجد الحرام).

<<  <  ج: ص:  >  >>