للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى النسائي وأحمد بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب قال: ((لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول فقال: باسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثمَّ ضرب الثانية فقطع الثالث الآخر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثمَّ ضرب الثالثة، وقال: باسم الله، فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة)) (١).

وفي رواية الطبراني: ((فضرب الصخرة وبرق منها برقة فكبّر، وكبّر، المسلمون))، وفيه ((إن البرقة الأولى أضاءت لها قصور الشام، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم .. )) (٢).

تأمل النص الذي أوردناه مرة أخرى (لمعان كالنور له من يده، وشعاع، وهناك استنارت قدرته .. وقف وقاس الأرض نظر .. ).

وتأمل في الأحاديث التي أوردناها أليست هذه الواقعة تأويل لتلك البشارة؟

٦ - ذهاب الوبا وخروج الحمى:

تقول هذه البشارة: (قدامه ذهب الوبا، وعند رجليه خرجت الحمّى)، وهذه – والله – بشارة صريحة لا تحتمل تأويلاً، فالمدينة قبل مجيء الرسول – صلى الله عليه وسلم – كانت معروفة بالحمّى، وفي الحديث عن ابن عباس ((أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما قدموا مكة للعمرة – وهي العمرة المعروفة بعمرة القضاء – قال المشركون: إنّه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمّى يثرب)) رواه البخاري (٣). وقد أصابت هذه الحمّى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أول قدومهم المدينة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربَّه كي يذهب الحمّى.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وعُك أبو بكر وبلال. قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تَجِدُك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كلُّ امرئ مُصَبَّحٌ في أهله ... والموتُ أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه الحمّى يرفع رأسه ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة ... بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليلُ

وهل أرِدَنْ يوماً مياهَ مَجَنَّةٍ ... وهل يَبدُوَنْ لي شامةٌ وطفيلُ

قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: اللَّهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشدّ، وصَحِّحْها، وبارك لنا في صاعها ومدِّها، وانقل حمّاها، فاجعلها في الجحفة)) رواه البخاري (٤) وزاد البخاري في آخر كتاب الحج: ((ثم يقول بلال: اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء)) (٥).


(١) رواه أحمد (٤/ ٣٠٣) (١٨٧١٦)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ٢٦٩) (٨٨٥٨)، وأبو يعلى (٣/ ٢٤٤) (١٦٨٥). والحديث صحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٥١٠) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، قال الهيثمى (٦/ ١٣٣): فيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعه، وبقية رجاله ثقات، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (٧/ ٤٥٨): إسناده حسن.
(٢) رواه بنحوه الطبراني (١١/ ٣٧٦) (١٢٠٨١).
(٣) انظر: ((فتح الباري)) (٣/ ٤٦٩).
(٤) رواه البخاري (٣٩٢٦)، ومسلم (١٣٧٦).
(٥) رواه البخاري (١٨٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>