للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وعن أنس رضي الله عنه قال: ((لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة: وا كرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة -رضي الله عنها-: يا أنس أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب)) (١)

٣ - ما أخرجه البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((مات النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم)) (٢).

٤ - ما رواه الترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت ((ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (٣).

قال أبو حامد الغزالي ت٥٠٥هـ: (اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت بمجردها لكان جديراً بأن يتنغص عليه عيشه، ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه وغفلته، وحقيقاً بأن يطول فيه فكره، ويعظم له استعداده، لا سيما وهو في كل نفس بصدده ... ، واعلم أن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها فإنما يعرفها إما بالقياس إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النَزع على شدة ما هم فيه.

فأما القياس: الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم، فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح، فمهما أصاب العضو، جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح، فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم، يتفرق على اللحم والدم وسائر الأجزاء، فلا يصيب الروح إلا بعض الألم؛ فإن كان من الآلام ما يباشر نفس الروح ولا يلاقي غيره فما أعظم ذلك الألم وما أشده، والنَزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح فاستغرق جميع أجزائه، حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم ... ، فألم النَزع يهجم على نفس الروح ويستغرق جميع أجزائه؛ فإنه المنْزوع المجذوب من كل عرق من العروق، وعصب من الأعصاب، وجزء من الأجزاء، ومفصل من المفاصل، ومن أصل كل شعرة وبشرة من العرق إلى القدم، ... فلا تسل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه، ولو كان المجذوب عرقاً واحداً لكان ألمه عظيماً، فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم، لا من عرق واحد، بل من جميع العروق، ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجياً، فتبرد أولاً قدماه، ثم ساقاه، ثم فخذاه، ولكل عضو سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى يبلغ بها إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها) (٤).

أخرج ابن أبي الدنيا عن شداد ابن أوس ـ رضي الله عنه ـ قال: ((الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمنين، والموت أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، وغلي في القدور، ولو أن الميت نُشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت، ما انتفعوا بعيش، ولا لذوا بنوم)) (٥).

وأخرج ابن سعد عن عوانة بن الحكم قال: (كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به قال له ابنه عبد الله: يا أبتِ إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه؟ فصف لنا الموت قال: يا بنيّ الموت أجل من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئاً، أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي الشوك، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة (٦). أحوال المحتضر لمحمد العلي مجلة الجامعة الإسلامية العدد ١٢٤ - ص ٧٧


(١) رواه البخاري (٤٤٦٢) بلفظ: ((أطابت أنفسكم)) بدلاً من ((أطابت نفوسكم)).
(٢) رواه البخاري (٤٤٤٦).
(٣) رواه الترمذي (٩٧٩). حسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٢/ ١٦٨) كما قال ذلك في المقدمة، وقال المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (٣/ ٤١٥): الظاهر أنه حسن، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٤) انظر: ((الموت)): (ص٦٥ - ٦٧)، ونقله ابن الجوزي في: ((الثبات عند الممات)) (ص٦١ - ٦٣).
(٥) ((الموت)) (ص: ٦٩).
(٦) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٤/ ٢٦٠). وانظر: ((سير أعلام النبلاء)) (٣/ ٧٥)، و ((فتح الباري)) (٨/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>