للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري في تفسير هذه الآية: (إن الذين تقبض أرواحهم الملائكة ظالمي أنفسهم، يعني مكسبي أنفسهم غضب الله وسخطه ... ، قالت الملائكة لهم فِيمَ كُنْتُمْ في أي شيء كنتم من دينكم، قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ يعني قال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: كنا مستضعفين في الأرض، يستضعفنا أهل الشرك بالله، في أرضنا وبلادنا ... معذرة ضعيفة وحجة واهية، قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا يقول: فتخرجوا من أرضكم ودوركم، وتفارقوا من يمنعكم بها من الإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم .. ، وذُكر أن هاتين الآيتين والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا وآمنوا بالله وبرسوله، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر، وعُرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين، فأبى الله قبول معذرتهم، التي اعتذروا بها، التي بينها في قوله، خبراً عنهم: قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ ... ) (١).

وقال السعدي: (قوله فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ... فيه ذكر بيان السبب الموجب، فقد يترتب عليه مقتضاه، مع اجتماع شروطه، وانتفاء موانعه، وقد يمنع من ذلك مانع، وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات، وتركها من المحرمات، بل من أكبر الكبائر) (٢). أحوال المحتضر لمحمد العلي مجلة الجامعة الإسلامية العدد ١٢٤ - ص ٩١

وقد جاء صريحاً في كتاب الله تعالى أن الملائكة تبشر الكافر بالعذاب، قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: ٩٣]. أي: أن الملائكة يبسطون أيديهم بالضرب والعذاب للملائكة حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم؛ ولهذا يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم؛ وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم فتتفرق روحه في جسده وتعصى وتأبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ أي اليوم تهانون غاية الإهانة بسبب تكذيبكم على الله واستكباركم على اتباع آياته والانقياد لرسله (٣).

يقول الطبري في تفسير هذه الآية: (وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عما تقول رسل الله التي تقبض أرواح هؤلاء الكفار لها، يخبر عنها أنها تقول لأجسامها ولأصحابها أخرجوا أنفسكم إلى سخط الله ولعنته؛ فإنكم اليوم تثابون على كفركم بالله، وقيلكم عليه الباطل وزعمكم أن الله أوحى إليكم ولم يوح إليكم شيئاً، وإنذاركم أن يكون الله أنزل على بشر شيئاً، واستكباركم عن الخضوع لأمر الله وأمر رسوله والانقياد لطاعته، عذاب الهون وهو عذاب جهنم الذي يهينهم فيذلهم حتى يعرفوا صغار أنفسهم وذلتها) (٤).


(١) ((تفسير الطبري)) (٥/ ١٤٧، ١٤٨)، وانظر: ((تفسير البغوي)) (١/ ٤٦٩).
(٢) ((أضواء البيان)) (ص: ١٥٩، ١٦٠).
(٣) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ١٤٩).
(٤) ((تفسير الطبري)) (٧/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>