للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآية الثالثة حجة واضحة لأهل السنة الذين أثبتوا عذاب القبر، فإن الحق تبارك وتعالى قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، وهذا قبل يوم القيامة، لأنه قال بعد ذلك: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: ٤٦]، قال القرطبي: (الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر) (١).

ومن الإشارات القرآنية الواضحة الدالة على فتنة القبر وعذابه قوله تبارك وتعالى: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم: ٢٧] ففي الحديث الذي يرويه البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقعد المؤمن في قبره أتى ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم: ٢٧]، وفي رواية أخرى: وزاد: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ [إبراهيم: ٢٧] نزلت في عذاب القبر)) (٢).

وقد روت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها: ((أن اليهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر، فقال: نعم، عذاب القبر. قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى إلا تعوذ من عذاب القبر)) (٣). زاد غندر: ((عذاب القبر حق)) رواه البخاري (٤). وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((دخلت عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا عليَّ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم " قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر)) (٥).

ولعظم هذا الأمر وخطورته كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه لأصحابه، بل وخطب فيهم مرة به، ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: قالت: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فذكر فتنة القبر التي يفتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة " رواه البخاري (٦). والنسائي، وزاد النسائي: ((حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكنت ضجتهم، قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله لك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر قوله؟ قال: قد أوحى إلي: أنكم تفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال)) (٧). القيامة الصغرى لعمر بن سليمان الأشقر - ص ٤٨


(١) انظر: ((فتح الباري)) (٣/ ٢٣٣).
(٢) رواه البخاري (١٣٦٩).
(٣) رواه البخاري (١٣٧٢).
(٤) رواه البخاري (١٣٧٣).
(٥) رواه مسلم (٥٨٦). ورواه البخاري (٦٣٦٦).
(٦) رواه البخاري (١٣٧٣).
(٧) رواه النسائي (٤/ ١٠٣). وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>