للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء الوعيد للعصاة من أهل المعازف وشاربي الخمور بالخسف والمسخ والقذف، روى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف. فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القيان والمعازف, وشربت الخمور)) (١).

وروى ابن ماجة عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها, يعزف على رؤوسهم بالمعازف, يخسف الله بهم الأرض, ويجعل منهم القردة والخنازير)) (٢).

والمسخ يكون حقيقياً، ويكون معنوياً، فقد فسر الحافظ ابن كثير رحمه الله (المسخ) في قوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة: ٦٥].

بأنه مسخ حقيقي وليس مسخاً معنوياً فقط، وهذا القول هو الراجح, وهو ما ذهب إليه ابن عباس وغيره من أئمة التفسير (٣).

وذهب مجاهد وأبو العالية وقتادة إلى أن المسخ كان معنوياً وأنه كان لقلوبهم ولم يمسخوا قردة (٤) ونقل ابن حجر عن ابن العربي القولين ورجح الأول (٥) ورجح رشيد رضا في تفسيره القول الثاني، وهو أنه كان مسخاً في أخلاقهم (٦).

واستبعد ابن كثير ما روي عن مجاهد وقال: (أنه قول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وغيره) (٧).

ثم قال بعد سياقه لطائفة من كلام العلماء: والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الأئمة بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهد - رحمه الله – من أن مسخهم إنما كان معنوياً لا صورياً بل الصحيح أنه معنوي صوري والله أعلم (٨).

وإذا كان المسخ يحتمل أن يكون معنوياً فإن كثيراً من المستحلين للمعاصي قد مسخت قلوبهم فأصبحوا لا يفرقون بين الحلال والحرام, ولا بين المعروف والمنكر, مثلهم في ذلك كمثل القردة والخنازير – نسأل الله العافية والسلامة – وسيقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المسخ سواء كان معنوياً أو صورياً. أشراط الساعة ليوسف الوابل-ص: ١٣٣


(١) رواه الترمذي (٢٢١٢). وقال: غريب، وحسنه لغيره الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (٨/ ٢٦٢)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٢) رواه ابن ماجه (٣٢٦٣)، والبيهقي (١٠/ ٢٢١) (٢١٥١٧). وقال بعده: ولهذا شواهد من حديث علي وعمران بن حصين وعبد الله بن بسر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحح إسناده ابن القيم في ((إغاثة اللهفان)) (١/ ٥٠٩)، وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٣) ((تفسير الطبري)) (٢/ ١٧٠)، ((تفسير الماوردي)) (١/ ١٣٥)، ((تفسير ابن كثير)) (١/ ١٥٠).
(٤) ((تفسير الطبري)) (٢/ ١٧٢ - ١٧٣)، ((تفسير ابن كثير)) (١/ ١٥٠).
(٥) ((فتح الباري)) (١٠/ ٥٦).
(٦) ((تفسير المنار)) (١/ ٣٤٣).
(٧) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ١٥١).
(٨) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>