للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقائلون بأن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، لهم في المعاد خبط واضطراب. وهم فيه على قولين: منهم من يقول: تعدم الجواهر ثم تعاد. ومنهم من يقول: تفرق الأجزاء ثم تجمع. فأورد عليهم: الإنسان الذي يأكله حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان، فإن أعيدت تلك الأجزاء من هذا، لم تعد من هذا؟ وأورد عليهم: أن الإنسان يتحلل دائماً، فماذا الذي يعاد؟ أهو الذي كان وقت الموت؟ فإن قيل بذلك، لزم أن يعاد على صورة ضعيفة، وهو خلاف ما جاءت به النصوص، وإن كان غير ذلك، فليس بعض الأبدان بأولى من بعض! فادعى بعضهم أن في الإنسان أجزاء أصلية لا تتحلل، ولا يكون فيها شيء من ذلك الحيوان الذي أكله الثاني! والعقلاء يعلمون أن بدن الإنسان نفسه كله يتحلل، ليس فيه شيء باق، فصار ما ذكروه في المعاد مما قوى شبهة المتفلسفة في إنكار معاد الأبدان. والقول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل تراباً، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى: فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاماً ولحماً، ثم أنشأه خلقاً سوياً. كذلك الإعادة: يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب، كما ثبت في (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ابن آدم، ومنه يركب)) (١) فالنشأتان نوعان تحت جنس، يتفقان ويتماثلان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه. والمعاد هو الأول بعينه، وإن كان بين لوازم الإعادة ولوازم البداءة فرق، فعجب الذنب هو الذي يبقى، وأما سائره فيستحيل، فيعاد من المادة التي استحال إليها. ومعلوم أن من رأى شخصاً وهو صغير، ثم رآه وقد صار شيخاً، علم أن هذا هو ذاك، مع أنه دائماً في تحلل واستحالة. وكذلك سائر الحيوان والنبات، فمن رأى شجرة وهي صغيرة، ثم رآها كبيرة، قال: هذه تلك. وليست صفة تلك النشأة الثانية مماثلة لصفة هذه النشأة، حتى يقال إن الصفات هي المغيرة، لا سيما أهل الجنة إذا دخلوها فإنهم يدخلونها على صورة آدم، طوله ستون ذراعاً، كما ثبت في (الصحيحين) (٢) وغيرهما، وروي: أن عرضه سبعة أذرع (٣). وتلك نشأة باقية غير معرضة للآفات، وهذه النشأة فانية معرضة للآفات. شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي - ٢/ ٥٨٩


(١) رواه مسلم (٢٩٥٥).
(٢) رواه البخاري (٣٣٢٦) , ومسلم (٢٨٤١).
(٣) رواه أحمد (٢/ ٣٤٣) (٨٥٠٥) , والطبراني (١٩/ ٧٩) , والبيهقي في ((البعث والنشور)) (١/ ٤٢١) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٦/ ٣٨٣): [فيه] علي بن زيد بن جدعان كان يغالي في التشيع ومع ضعفه يكتب حديثه, وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ١٢٩): [فيه] علي بن زيد بن جدعان اختلفوا فيه, وقال ابن حجر في ((تحفة النبلاء)) (١٣٢): [فيه] علي بن زيد وهو ضعيف, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٣٩٩) , وأحمد شاكر في ((مسند أحمد)): إسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>