للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ: ٤٠]، أخرج ابن جرير رحمه الله عدة روايات عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن ذكوان، وسفيان: أن الكافر يقول ذلك حينما يشاهد البهائم وقد أمر الله بها فصارت تراباً، فعند ذلك يتمنى أنه صار تراباً مثلها ولم يقف بين يدي الله تعالى (١). يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا [النساء: ٤٢].

وقال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ [عبس:٣٤ - ٤١].

أي يفر عن أخيه، وصاحبته: أي زوجته التي كانت زوجته في الدنيا، وبنيه حذراً من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التبعات والمظالم.

وغَبَرَةٌ ذكر أن البهائم التي يصيرها الله تراباً يومئذٍ - بعد القضاء بينها - يحول ذلك التراب غبرة في وجوه أهل الكفر، والقترة بمعنى الغبرة (٢).

وما هذا الفرار من الأخ, والأم, والأب, والزوجة, والأبناء إلا لما يتوقع الإنسان من الأمور العظام التي هو في انتظارها بين لحظة وأخرى لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.

وقال تعالى: في بيان حال المشركين الذين كذبوا على الله بنسبة الشريك والولد إليه جل وعلا ومبيناً علامتهم التي يتصفون بها وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: ٦٠].

أي يوم القيامة ترى يا محمد الذين كذبوا على الله من قومك، فزعموا أن له ولداً وأن له شريكاً، وعبدوا آلهة من دونه – وجوههم مسودة (٣).

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الواردة في وصف هذا الموقف العظيم وما يقع فيه من الثواب والعقاب، وما يقع فيه كذلك للخلق من الكرب الشديد, والفزع العظيم، وما يكونون عليه من صفات شتى بينها القرآن الكريم تمام البيان، حتى إنها لتكاد أن تصل إلى أن يتخيلها الإنسان وكأنها قد وقعت، لظهورها وكثرة العناية بإبرازها واضحة جلية في أساليب متعددة مؤثرة. الحياة الآخرة لغالب عواجي- ١/ ٢٤٣


(١) ((تفسير الطبري)) (٣٠/ ٢٦).
(٢) ((تفسير الطبري)) (٣٠/ ٦٢).
(٣) ((تفسير الطبري جامع البيان)) (٢٤/ ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>