للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقدم حديث أبي سعيد المتفق عليه أيضاً بطوله – وفيه في نعت المرور على الصراط: ((حتى يمر آخرهم يُسحب سحباً، فما أنتم بأشدَّ لي مناشدة في الحق، قد تبيَّن لكم من المؤمن يومئذٍ للجبار إذا رأوا أنَّهم قد نجوا في إخوانهم يقولون: ربَّنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ويحرم الله تعالى صورهم على النار فيأتونهم وبعضهم قد غار في النار إلى قدميه وإلى أنصاف ساقيه فيُخرجون من عرفوا. ثم يعودون فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيُخرجون من عرفوا. ثم يعودون فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيُخرجون من عرفوا – قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرؤوا إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء: ٤٠] فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبّار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواماً قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبَّةُ في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة إلى جانب الشجرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خيرٍ قدَّموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه)) (١). وفي لفظ مسلم ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحدٍ بأشد مناشدة لله في استقصاء الحقِّ من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربَّنا كانوا يصومون معنا ويصلون معنا ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون ربَّنا ما بقي فيها أحَدٌ ممَّن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدَّتُم في قلبه مثقال دينار من خيرٍ فأخرجوه، فيُخرجون خلقاً كثيراً. ثم يقولون: ربَّنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا بهم. يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينارٍ من خيرٍ فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً. ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرةٍ من خير فأخرجوه، فيُخرجون كثيراً. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: إنْ لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء: ٤٠]، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نَهْر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبَّة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر، ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض. فقالوا يا رسول الله كأنَّك ترعى بالبادية، قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء اللهِ الذين أدخلهم الله الجنة بغير عملٍ عملوه ولا خيرٍ قدّموه. ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموهُ فهو لكم، فيقولون ربَّنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: ربَّنا أيُّ شيءٍ أفضل من هذا؟ فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً)) (٢).


(١) رواه البخاري (٧٤٣٩).
(٢) رواه مسلم (١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>