للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالرسل جميعاً اتفقوا على الإخبار بأشياء معينة – يقطع المرء بأنهم لم يتواطؤا عليها ومن ذلك: دعوتهم جميعاً إلى عبادة إله واحد، وكذلك بشارة موسى وعيسى برسالة رسولنا محمد عليهم الصلاة والسلام من غير تواطؤ منهم على بعد في الأزمنة والأمكنة، فكان ذلك على الوجه الذي بشرا به.

والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأخبار الأمم الماضين مع القطع بأنه كان يعيش في أمة أمية، وكذلك قد أخبر بأمور تحصل في المستقبل، وقد حصلت، منها ما هو في القرآن، ومنها ما هو في السنة، فمما ورد في القرآن قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم: ١ - ٤] فكان كما أخبر، ومما ورد في السنة: ((إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده)) (١) وقوله: ((خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)) (٢) وكانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر رضي الله عنه: عشر سنين ونصفاً، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر، وخلافة الحسن رضي الله عنه ستة أشهر، ثم نشأ الملك وكان معاوية رضي الله عنه أول ملوك المسلمين وهو أفضلهم (٣)، فكان الأمر كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

والأخبار في هذا كثيرة جداً يحصل بمجموعها القطع والعلم الضروري، فيدل ذلك على صدقه في الرسالة وعلى وجود الخالق سبحانه، لأنه هو الذي أطلعه على ذلك إذ أنه لا يعقل أبداً أن يتحدث الإنسان ويخبر بأشياء ويصدق فيها دائماً دون تردد، ودون أن يجرب عليه كذب، إلا إذا كان موحى إليه، وأن الذي أوحى إليه هو الذي بيده الأمور وتتطابق أخباره مع قدره، وهذا ظاهر.

ثانياً: الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق:

فقد تضمنت شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أموراً عظيمة، يقطع الإنسان أنها لا يمكن أن تكون إلا من خالق عليم حكيم، فالشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وهذا واضح جداً في الضروريات الخمس: الدين، والعقل والنفس، والمال، والعرض. ويراجع في هذا الكتب التي بُحث فيها عن حكمة التشريع ومقاصد الشريعة الإسلامية. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف– ١/ ٢٩١


(١) رواه البخاري (٣٦١٨)، ومسلم (٢٩١٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه أبو داود (٤٦٤٦)، والحاكم (٣/ ١٥٦)، والطبراني (٧/ ٨٤) (٦٤٥٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح.
(٣) انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: ٥٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>