للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو داود في (باب ذكر الميزان): عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت النار فبكت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يبكيك؟ قالت: ذكرت النار فبكيت, فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند الكتاب حين يقال: هاؤم اقرءوا كتابيه, حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه, أم في شماله, أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم)) (١) الحياة الآخرة لغالب عواجي- ٢/ ١٠٩٠

روي (أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان فلما رآه غشي عليه, فلما أفاق قال: إلهي من ذا الذي يقدر يملأ كفة حسنته فقال: إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة واحدة). ذكره الفخر (٢)، والثعلبي. وقال عبد الله (٣) بن سلام رضي الله عنه: (إن ميزان رب العالمين ينصب للجن والإنس، يستقبل به العرش، إحدى كفتيه على الجنة، والأخرى على جهنم لو وضعت السماوات والأرض في إحداهما لوسعتهن، وجبريل آخذ بعموده ينظر إلى لسانه).

قال العلامة (٤): (في كلام ابن سلام إن أعمال الجن توزن كما توزن أعمال الإنس، وهو كذلك ارتضاه الأئمة) انتهى.

قال القرطبي: (المتقون توضع حسناتهم في الكفة النيرة، وصغائرهم في الكفة الأخرى، فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزناً، وتثقل الكفة النيرة حتى لا ترتفع، وترفع المظلمة ارتفاع الفارغة الخالية). قال: (وأما الكفار فيوضع كفرهم، وأوزارهم في الكفة المظلمة، وإن كان لهم أعمال بر وضعت في الكفة الأخرى فلا يقاومها إظهار لفضل المتقين، وذل الكافرين) (٥). قلت: الحق أن الكفار لا يقيم الله لهم وزناً والله أعلم.

وأخرج الحاكم وصححه عن سلمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يوضع الميزان يوم القيامة, فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعهن، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول: لمن شئت من خلقي فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك)) (٦).

وأخرج البزار، والبيهقي عن أنس رضي الله عنه: (أن ملكاً من ملائكة الله عز وجل موكل يوم القيامة بميزان ابن آدم، فيؤتى به حتى يوقف بين كفتي الميزان، فيوزن عمله، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمعه الخلائق باسم الرجل: ألا سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفت ميزانه نادى الملك: ألا شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً) (٧).

وذكر الثعلبي، وغيره، وابن جرير في (تفسيره)، وابن أبي الدنيا عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السلام) (٨). وقال الحسن (٩): (هو ميزان له كفتان، ولسان، وهو بيد جبريل عليه السلام). البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن أحمد السفاريني – ٢/ ٨٥١


(١) رواه أبو داود (٤٧٥٥)، والحاكم (٤/ ٦٢٢). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة على أنه قد صحت الروايات أن الحسن كان يدخل وهو صبي منزل عائشة رضي الله عنها وأم سلمة، ووافقه الذهبي. وجود إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٥/ ٢٨٠).
(٢) ذكره الرازي في ((التفسير الكبير)) (٢٢/ ١٧٦). و ((البغوي في تفسيره)) (٥/ ٣٢١).
(٣) انظر ((تفسير الرازي)) (١٤/ ٢٨).
(٤) ((تحقيق البرهان)) (ص: ٦٤).
(٥) ذكره في ((التذكرة)) (ص: ٣٦٥).
(٦) رواه الحاكم (٤/ ٦٢٩). وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٧) رواه البزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (١٠/ ٣٥٣) وقال: فيه صالح المري وهو مجمع على ضعفه، وقال ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (٥/ ٤٩٠): إسناده ضعيف [فيه] داود بن المحبر متروك.
(٨) رواه الطبري في تفسيره (١٢/ ٣١٠).
(٩) ذكره في ((زاد المسير)) (٣/ ١٧١) ((فتح الباري)) (١٣/ ٥٣٩) اللالكائي (٢٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>