للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين (أن طريقة الاستدلال بما يشاهد حدوثه قد جاء به القرآن، واتفق عليها السلف والأئمة، ولكن تمشيا مع الضرورة والحس، ولا يحتاج مع ذلك إلى إقامة دليل على حدوث ما يحدث من الأعيان، بل يستدل بذلك على وجود المحدث تعالى) (١).

وفي ذلك يقول: (طريقة الاستدلال بما يشاهد حدوثه جاء بها القرآن، واتفق عليها السلف والأئمة) (٢).

ذكر من حكى الإجماع أو نص على المسألة ممن سبق شيخ الإسلام: (لقد أنكر أهل العلم – رحمهم الله – على المتكلمين سلوكهم هذه المسالك المعقدة، فوسموهم بالبدعة والضلالة، وبينوا فساد طريقتهم عقلاً، وتحريمها شرعاً، وأقوال أهل العلم – رحمهم الله – في بيان عظم خطر هذه الطريقة وصعوبتها كثيرة، ومن ذلك إجابة أبي حنيفة حينما سأله السائل عما أحدثه الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة؛ فإنها بدعة) (٣).

وقد سئل القاضي ابن سريج عن التوحيد، فذكر توحيد المسلمين، وقال: (وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك) (٤).

وعقب شيخ الإسلام على هذا القول بقوله: (ولم يرد بذلك أنه أنكر هذين اللفظين، فإنهما لم يكونا قد أحدثا في زمنه، وإنما أراد إنكار ما يعنى بها من المعاني الباطلة؛ فإنه أول من أحدثهما الجهمية والمعتزلة) (٥).

ويقول أبو الحسن الأشعري: (وإذا ثبت بالآيات صدقه صلى الله عليه وسلم، فقد علم صحة كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وصارت أخباره عليه السلام أدلة على صحة سائر ما دعانا إليه من الأمور الغائبة عن حواسنا وصفات فعله، وصار خبره عليه السلام عن ذلك سبيلاً إلى إدراكه، وطريقاً إلى العلم بحقيقته، وكان ما يستدل به من أخباره عليه السلام على ذلك أوضح دلالة من دلالة الأعراض التي اعتمد على الاستدلال بها الفلاسفة، ومن اتبعها من القدرية، وأهل البدع المنحرفين عن الرسل عليهم السلام) (٦).

وبين صعوبة هذا الدليل، وشدة خفائه، وكثرة مقدماته، وأشار إلى أن السلف الصالح ومن تبعهم من الخلف قد عدلوا عن هذه الطرق المعقدة الغامضة. وأعرضوا عما صارت إليه الفلاسفة ومن اتبعهم من القدرية وغيرهم من أهل البدع من الاستدلال بذلك، لاستغنائهم بالأدلة الواضحة في ذلك عنه (٧).

وممن قرر اتصاف هذه الطريقة بالاعوجاج والخطورة، ووجود الغنية فيما استدل به السلف – رحمهم الله -؛ لما فيه من الوضوح والسلامة أبو سليمان الخطابي حيث قال: (فإن قال هؤلاء القوم: فإنكم قد أنكرتم الكلام، ومنعتم استعمال أدلة العقول، فما الذي تعتمدون عليه في صحة أصول دينكم؟ ومن أي طريق تتوصلون إلى معرفة حقائقها؟ وقد علمتم أن الكتاب لم يعلم حقه، وأن الرسول لم يثبت صدقه إلا بأدلة العقول، وأنتم قد نفيتموها؟!


(١) انظر: ((درء التعارض)) (٧/ ٢٢٣).
(٢) انظر: ((درء التعارض)) (٥/ ٢٩٤).
(٣) ذكره ابن قدامة المقدسي في ((ذم التأويل)) (ص: ٣٢، ٣٣).
(٤) نقله عنه شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (١٧/ ٣٠٥).
(٥) نقله عنه شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (١٧/ ٣٠٥).
(٦) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص: ١٨٤، ١٨٥).
(٧) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص: ١٨٦ - ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>