للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج أيضاً عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: ((في الجنة مائة درجة)) (١) فذكر نحوه وعنده أيضاً عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنة مائة درجة)) (٢) وذكر نحوه وقال حديث حسن غريب، وفيه عن أبي سعيد مرفوعاً: ((إن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم)) (٣) ورواه الإمام أحمد بدون لفظة (في) كما تقدم فرويت هذه الأحاديث بلفظة في وبدونها. فإن كان المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجتها، وإن كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة للدرج الصغار، ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديرها بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطء، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا تقريباً للإفهام يدل له حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: ((مائة درجة في الجنة ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض، وأبعدهما بين السماء والأرض. قلت: يا رسول الله: لمن؟ قال: لمجاهدين في سبيل الله)) (٤). البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن أحمد السفاريني – ٣/ ٩٦٢

وهذه الجنات متفاضلة، ففيها جنات عُلَى كما قال سبحانه: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه: ٧٥]. وفيها درجات دون التي فوقها كما قال سبحانه: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ إلى أن قال: وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن: ٤٦ - ٦٢]. والجنات بعضها فوق بعض كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم)) (٥).

فقوله: ((من فوقهم)) يدل على ما ذكر، وهذه الجنات متباعدات كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله, ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة, وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة)) (٦).

فهذا تباعد ما بين درجات هذه المائة التي أعدت للمجاهدين، ودرجات الجنة كثيرة لم يرد حصرها في عدد, فهذه مائة أعدت للمجاهدين, وقال صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا, فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)) (٧) وهذا يدل على أن درج الجنة لا حصر لها.


(١) رواه الترمذي (٢٥٣١)، وأحمد (٥/ ٣١٦) (٢٢٧٤٧)، والحاكم (١/ ١٥٣)، والضياء (٨/ ٣٢٨). قال الضياء: إسناده صحيح، وقال المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (٥/ ٥٥): إسناده صحيح لا غبار عليه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٢) رواه الترمذي (٢٥٢٩). وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) رواه الترمذي (٢٥٣٢)، وأحمد (٣/ ٢٩) (١١٢٥٤). قال الترمذي: حديث غريب، وصححه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (١٤/ ١٢٥).
(٤) رواه مسلم (١٨٨٤)، والنسائي (٦/ ١٩)، وأحمد (٣/ ١٤) (١١١١٧).
(٥) رواه البخاري (٣٢٥٦)، ومسلم (٢٨٣١). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (٧٤٢٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) رواه أبو داود (١٤٦٤)، والترمذي (٢٩١٤)، وأحمد (٢/ ١٩٢) (٦٧٩٩)، وابن حبان (٣/ ٤٣) (٧٦٦)، والحاكم (١/ ٧٣٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٩٠١) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٢/ ٣٧٢) كما قال ذلك في المقدمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>