للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يتفاضل المؤمنون بعد الأنبياء في الجنات، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة)) (١). ولعل المراد بأول زمرة السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الأحاديث المذكورة فيهم أنهم يتقدمون الأمة, وأن من صفاتهم أنهم زمرة واحدة على صورة القمر. وأقل أهل الجنة منزلة المخرجون من النار بعد العقوبة، قال صلى الله عليه وسلم: ((يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع, فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة: الجهنميين)) (٢). وهؤلاء يتفاضلون في خروجهم من النار، يخرج بعضهم قبل بعض على منازلهم في الإيمان كما في حديث الرؤية الطويل الذي فيه ((أن المجاوزين الصراط إذا رأوا أنهم قد نجو وبقي إخوانهم يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا)) (٣).

وآخر أهل النار خروجاً منها ما جاء فيه: ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولاً، رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربي وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها)) وجاء في آخر الرواية: ((فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة)) (٤).

وهذا هو أدنى أهل الجنة منزلة كما في حديث: ((سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي رب, كيف وقد نزل الناس منازلهم, وأخذوا أخذتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله, ومثله, ومثله, ومثله. فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله. ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك. فيقول: رضيت رب، قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت, غرست كرامتهم بيدي, وختمت عليها. فلم تر عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر على قلب بشر. قال ومصداقه في كتاب الله عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: ١٧])) (٥).

وحظ الرجال من الجنة أعظم من حظ النساء ففي الحديث: ((أريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع, ورأيت أكثر أهلها النساء)) (٦).

وقال صلى الله عليه وسلم للنساء: ((تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)) (٧).

وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل أهل الجنة, فهم أول من يدخل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة. ونحن أول من يدخل الجنة)) (٨). وهم أكثر أهل الجنة, إذ هم نصف أهل الجنة. ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟. قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم، فقال: ((والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر)) (٩). مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص ٤٠٦


(١) رواه البخاري (٣٢٥٤)، ومسلم (٢٨٣٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٦٥٥٩). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٧٤٣٩). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٦٥٧١)، ومسلم (١٨٦). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٥) رواه مسلم (١٨٩). من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (١٠٥٢). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٧) رواه مسلم (٨٨٥). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
(٨) رواه مسلم (٨٥٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٩) رواه البخاري (٦٥٢٨)، ومسلم (٢٢١). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>