للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القاري: " إنما جعل الأنهار الأربعة من أنهار الجنة، لما فيها من العذوبة والهضم، ولتضمنها البركة الإلهية، وتشرفها بورود الأنبياء إليها وشربهم منها ". ومن أنهار الجنة الكوثر الذي أعطاه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: إِنا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:١]، وقد رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحدثنا عنه، ففي (صحيح البخاري) عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما أنا أسير في الجنة، إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبه- أو طينه – مسك أذفر)) شك هُدْبة. (١) وقد فسر ابن عباس الكوثر بالخير الكثير الذي أعطاه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بشر لسعيد بن جبير راوي هذا التفسير عن ابن عباس: إن أناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه (٢) وقد جمع الحافظ بن كثير الأحاديث التي أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها عن الكوثر، فمن هذه الأحاديث ما رواه مسلم في (صحيحه) عن أنس، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت عليه إِنا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:١] قال: ((أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو نهر وعدنيه الله عز وجل، عليه خير كثير)). (٣) وساق حديث أنس عند أحمد في (مسنده) عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أعطيت الكوثر، فإذا نهر يجري على ظهر الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفاً، فضربت بيدي إلى تربته، فإذا تربته مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ)). (٤) وفي رواية أخرى في (المسند) عن أنس يرفعه: ((هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور)). (٥) وقد ساق الحافظ ابن كثير روايات أخرى كثيرة في الموضوع فارجع إليه إن شئت المزيد. (٦)

وأنهار الجنة ليست ماء فحسب، بل منها الماء، ومنها اللبن، ومنها الخمر، ومنها العسل المصفى.

قال تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن ماء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد:١٥]. وفي (سنن الترمذي) بإسناد صحيح عن حكيم بن معاوية (وهو جد بهز بن حكيم) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن في الجنة بحر العسل، وبحر الخمر، وبحر اللبن، وبحر الماء، ثم تنشق الأنهار بعد)) (٧) فأنهار الجنة تنشق من تلك البحار التي ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن نهر يسمى بارق يكون على باب الجنة، ويكون الشهداء في البرزخ عند هذا النهر، ففي (مسند أحمد)، و (معجم الطبراني)، و (مستدرك الحاكم) عن ابن عباس بإسناد حسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً)). (٨) الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر- ص١٦٥


(١) رواه البخاري (٦٥٨١).
(٢) رواه البخاري (٤٩٦٦).
(٣) رواه مسلم (٤٠٠).
(٤) رواه أحمد (٣/ ١٥٢) (١٢٥٦٤). وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢٥١٣) وشعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(٥) رواه أحمد (٣/ ٢٣٦) (١٣٥٠٠). وقال شعيب الأرناؤوط محققه: حديث صحيح وهذا إسناد حسن محمد بن عبدالله بن مسلم الزهري -وإن روى له الشيخان- فيه كلام ينزله عن رتبة الصحيح وباقي رجال الإسناد ثقات.
(٦) انظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٨/ ٤٩٩ - ٥٠٠).
(٧) رواه الترمذي (٢٥٧١) , وأحمد (٥/ ٥) (٢٠٠٦٤) , وابن حبان (١٦/ ٤٢٤) , والطبراني (١٩/ ٤٢٤) , قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح, وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (٢/ ٢٥٣): [فيه] بهز بن حكيم أرجو أنه لا بأس به, وقال أبو نعيم في ((الحلية)) (٦/ ٢٢١): غريب عن الجريري تفرد به عن حكيم, وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٨) رواه أحمد (١/ ٢٦٦) (٢٣٩٠)، والطبراني في ((الأوسط)) (١/ ٤٥)، والحاكم (٢/ ٨٤). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٤٢): إسناده جيد. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٢٩٧): إسناده رجاله ثقات. وقال ابن حجر في ((أسئلة وأجوبة)) (٣٢): إسناده حسن. وقال الألباني في ((صحيح الجامع)) (٣٧٤٢): حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>