للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا نص في أن الوصية هي الإسلام وهي قولهم: نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وبه يظهر ظهوراً جلياً أن الكلمة هي الإسلام – أي الاستسلام لله بالعبودية – وقد لخص ذلك ابن جرير الطبري بقوله (وهي الإسلام الذي أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله وخضوع القلب والجوارح له) (١) اهـ. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف– ١/ ٧٥

وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله بالعبادة (٢). ويسمى باعتبار إضافته إلى الله تعالى بـ (توحيد الألوهية)، ويسمى باعتبار إضافته إلى الخلق بـ (توحيد العبادة)، و (توحيد العبودية) و (توحيد الله بأفعال العباد)، و (توحيد العمل)، و (توحيد القصد)، و (توحيد الإرادة والطلب)، لأنه مبني على إخلاص القصد في جميع العبادات، بإرادة وجه الله تعالى (٣).

وهذا التوحيد من أجله خلق الله الجن والإنس، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]، ومن أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥]، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦]، ومن أجله قامت الخصومة بين الأنبياء وأممهم، وبين أتباع الأنبياء من أهل التوحيد وبين أهل الشرك وأهل البدع والخرافات، ومن أجله جردت سيوف الجهاد في سبيل الله، وهو أول الدين وآخره، بل هو حقيقة دين الإسلام (٤)، وهو يتضمن أنواع التوحيد.

فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات (٥)، فإن من عبد الله تعالى وحده، وآمن بأنه المستحق وحده للعبادة، دل ذلك على أنه مؤمن بربوبيته وبأسمائه وصفاته، لأنه لم يفعل ذلك إلا لأنه يعتقد بأن الله تعالى وحده هو المتفضل عليه وعلى جميع عباده بالخلق, والرزق, والتدبير, وغير ذلك من خصائص الربوبية، وأنه تعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلا، التي تدل على أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.

ومع أهمية هذا التوحيد فقد جحده أكثر الخلق، فأنكروا أن يكون الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وعبدوا غيره معه.

قال العلامة المجتهد محمد بن إسماعيل الصنعاني: (اعلم أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه، إذ هم مقرون بذلك، كما قررناه وكررناه، ولذا قالوا: أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ [الأعراف: ٧٠] أي لنفرده بالعبادة، ونخصه بها من دون آلهتنا؟ ... فعبدوا مع الله غيره، وأشركوا معه سواه، واتخذوا له أنداداً) (٦). تسهيل العقيدة الإسلامية لعبد الله بن عبد العزيز الجبرين– ص: ٥٣


(١) ((تفسير الطبري)) (٣/ ٩٣ - ٩٤).
(٢) ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني: الأصل الثالث (ص: ١٣)، ((الدرر السنية)) (٢/ ٢٩١)، و ((ينظر شرح الطحاوية)) (ص: ٢٤).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص: ٢٤)، ((مجموعة التوحيد)) (١/ ٦)، ((الدرر السنية)) (٢/ ٢٥٠، ٣٠٤) ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٢٢)، ((القول السديد)) (ص: ١٩)، ((القواعد الحسان)) (ص: ١٩٢)، ((الحق الواضح المبين)) (ص: ٥٧)، ((القول المفيد)) (١/ ٩).
(٤) ((شرح الطحاوية)) (ص: ٢١ - ٢٤ - ٢٩)، ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: ٢٠)، ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٢٠ - ٢١)، ((الدر النضيد)) للشوكاني (ص: ٦٥)، ((قرة عيون الموحدين)) لعبد الرحمن بن حسن (ص: ٤)، ((معارج القبول)) (٢/ ٤٠٢ - ٤١٠).
(٥) ((شرح الطحاوية)) (ص: ٢٩ - ٣٢ - ٤١)، ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٢٣)، ((قرة عيون الموحدين)) (ص: ٥).
(٦) ((تطهير الاعتقاد)) (ص: ١٢، ٢٠)، وينظر ((قرة عيون الموحدين)) (ص: ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>