للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبين بهذا أن صحة الجسد وقوته, وكثرة المال, والتنعم بشهوات الدنيا, والتكبر والتعاظم على الخلق وهي صفات أهل النار التي ذكرت في حديث حارثة بن وهب, هي جماع الطغيان والبغي كما قال تعالى: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [العلق:٦ - ٧] والطغيان وإيثار الحياة الدنيا وشهواتها من موجبات النار كما قال تعالى: فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:٣٧ - ٣٩].

وأما الضعيف في البدن, والاستضعاف في الدنيا من قلة المال والسلطان, مع الإيمان فهو جماع كل خير، ولهذا يقال: من العصمة أن لا تجد، فهذه صفة أهل الجنة التي ذكرت في حديث حارثة.

وقد روي نحو حديث حارثة من وجوه متعددة وفي بعضها زيادات ... ومن حديث سراقة بن مالك بن جعشم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا سراقة, ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أما أهل النار فكل جعظري, جواظ، مستكبر. وأما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون)) (١)

ومن حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأهل الجنة وأهل النار، أما أهل الجنة فكل ضعيف متضعف, أشعث ذو طمرين, لو أقسم على الله لأبره، وأما أهل النار فكل جعظري, جواظ, جماع, مناع, ذي تبع)) (٢) ...

وخرج الطبراني من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بصفة أهل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله, قال: كل ضعيف متضاعف, ذو طمرين, لو أقسم على الله لأبره, ألا أنبئكم بأهل النار؟ قلنا: بلى يا رسول الله, قال: كل جظٍ, جعظرٍ, مستكبر، قال: فسألته: ما الجظ؟ قال: الضخم, وما الجعظر؟ قال: العظيم في نفسه)) (٣) ...

وروى سليم بن عمر عن فرات البهراني عن أبي عامر الأشعري أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل النار فقال: لقد سألت عن عظيم, كل شديد قعبري, فقال: وما القعبري يا رسول الله؟ قال: الشديد على العشيرة, الشديد على الأهل, الشديد على الصاحب، قال: فمن أهل الجنة يا رسول الله؟ فقال: سبحان الله, لقد سألت عن عظيم, كل ضعيف مزهد)) (٤).

وفي المعنى أحاديث أخر، وفي (صحيح مسلم) عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: ((وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق, ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم, وعفيف متعفف ذو عيال. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له, الذين هم فيكم تبعاً لا يبغون أهلاً, ولا مالاً. والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه, ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك)) وذكر البخل, والكذب, والشنظير الفحاش (٥).

ففي هذا الحديث جعل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة ثلاث أصناف.


(١) رواه أحمد (٤/ ١٧٥) (١٧٦٢١)، والطبراني (٧/ ١٢٩) (٦٦٠٥)، والحاكم (٣/ ٧١٧)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٣٨). وقال إسناده حسن، وهو أيضاً ما قاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٢٦٨).
(٢) رواه أحمد (٢/ ٢١٤) (٧٠١٠)، والحاكم (٢/ ٥٤١). وقال: صحيح على شرط مسلم، وصحح إسناده ابن القيم في ((حادي الأرواح)) (١١٢)، وقال الهيثمي (١٠/ ٣٩٦): رجاله رجال الصحيح.
(٣) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٤/ ٣٠١ - ٣٠٢) (٤٢٦٣). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٢٦٨): رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه عبد الله بن محمد بن أبي مريم وهو ضعيف.
(٤) ذكره السيوطي في ((جمع الجوامع)) (٧٨٩٢) وقال: [رواه] الشيرازي في ((الألقاب))، والديلمي عن أبى عامر الأشعري.
(٥) رواه مسلم (٢٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>