للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما مقامات التفصيل فقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم [الأعراف: ٥٩] إلى آخر الآيات, وقال تعالى: وَإِلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُون [الأعراف: ٦٥] إلى آخر الآيات وقال تعالى: إِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قُوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه [الأعراف: ٧٣] إلى آخر الآيات, وقال الله تعالى: وَإِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه [الأعراف: ٨٥] إلى آخر الآيات, وقال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام: ٧٤ - ٧٨]. وهذا في مقام مناظرته عليه الصلاة والسلام لعباد الكواكب على سبيل الاستدراج أو التوبيخ ليبين لهم سخافتهم وجهلهم وضعف عقولهم في عبادتهم هذه الكواكب المخلوقة لحكمة الله عز وجل المسخرة بقدرته وغفلتهم عن خالقها ومسخرها والمتصرف فيها وتركهم عبادته أو إشراكهم معه فيها غيره عز وجل فلما أقام عليهم الحجة: قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: ٧٨ - ٨٢] أي الَّذِينَ آمَنُواْ يعني صدقوا ووحدوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم أي شرك إذ هو الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل, وفي الصحيح: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((لما نزلت الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أينا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم [لقمان: ١٣])) (١) فالذين آمنوا الإيمان التام الذي لم تشبه شوائب الشرك الأكبر المنافي لجميعه, ولا الشرك الأصغر المنافي لكماله, ولا معاصي الله المحبطة ثمراته من الطاعات, فأولئك لهم الأمن التام من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, والاهتداء التام في الدنيا والآخرة.


(١) رواه البخاري (٦٩٣٧). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>