للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا طبقنا هذه القاعدة العظيمة على مسألتنا، نجد أن نقل الاتفاق على عدم فناء النار نص محكم جلي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً؛ وهو الاتفاق على عدم فناء النار .. وقول البعض إن كلام شيخ الإسلام محمول على القول بعدم فناء الجنة والنار معاً .. قول مردود وذلك أن عبارته صريحة في نقل الاتفاق على الجميع باعتبار كل واحدة منفصلة فهو يضرب أمثلة على مخلوقات لا تفنى ولا تعدم بالكلية فيقول – رحمه الله -: (وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك) (١).

فهو نص محكم لا يحتمل إلا وجهاً واحداً وهو الاتفاق على عدم فناء النار، وأما ما ينسب إليه من القول بفناء النار فهو قول متشابه، ولهذا اختلفت آراء العلماء في توجيهه، فإذا رددنا المتشابه من قوله إلى المحكم أصبح الكل محكماً، ويكون قول شيخ الإسلام كسائر أقوال أهل السنة.

ثالثاً: أنه لو سلم أن هذا رأي لشيخ الإسلام وثابت عنه ولم يكن رأياً متقدماً في الزمن – أي في أول حياته – ولم يكن متشابهاً بل كلام محكم، فإنه يكون رأياً له – رحمه الله - .. والحق أحق وأولى بالاتباع .. فهو العلم الذي لا يجارى والبحر المتلاطم أمواجه .. ولكنه بشر غير معصوم .. !! وهو مأجور على اجتهاده.

بقي أن يقال هل يوجد مخالف من السلف قبل شيخ الإسلام لهذا الإجماع؟!

لم أقف على مخالف لهذا الإجماع .. والإجماع فيها قائم وسالم لا معارض له .. ويدل لذلك أمور:

أولاً: النصوص الكثيرة التي نقلها سلف الأمة وأئمة هذا الدين من الإجماع على عدم فناء النار وخلود الكفار فيها خلوداً مؤبداً، وقد أشرنا إلى بعضها آنفاً، مع اختلاف أزمانهم وبلدانهم ولن يتتابع هؤلاء الأئمة في نقل الإجماع على مسألة وفيها من يخالف هذا الإجماع من العلماء فضلاً عن أن يكون المخالف من الصحابة!!.

ثانياً: الذين ذكروا بعض المخالفين لفناء النار .. فقد نقلوا الإجماع على خلود الكفار فيها خلوداً مؤبداً.

فيقول ابن القيم – رحمه الله -: (الذي يدل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف أن الجنة والنار مخلوقتان، وأن أهل النار لا يخرجون منها ولا يخفف عنهم من عذابها، ولا يفتر عنهم وأنهم خالدون فيها) (٢).

ويقول – رحمه الله -: (الذي دل عليه القرآن أن الكفار خالدون في النار أبداً، وأنهم غير خارجين منها وهذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين) (٣).

ثالثاً: الآثار التي استدل بها من يقول بفناء النار .. فقد بين العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني – رحمه الله – في كتابه الموسوم (رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار) ومحقق الكتاب العلامة الألباني – رحمه الله – بينا أنها آثار لا تصح والصحيح منها غير صريح، فهي إما غير صحيحة أو غير صريحة! فكيف يخالف بها الإجماع المنقول عن سلف الأمة وأئمتها!! المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين - بتصرف – ص: ٨٨٧


(١) ((مجموع الفتاوى)) (١٨/ ٣٠٧).
(٢) ((حادي الأرواح)) (ص: ٣١٤).
(٣) ((حادي الأرواح)) (ص: ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>