للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن ما يقوله القدرية من الظلم والعدل الذي يقيسون به الرب على عباده من بدعهم التي ضلوا بها وخالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وكذلك من قابلهم فنفى حكمة الرب الثابتة في خلقه وأمره وما كتبه على نفسه من الرحمة وما حرمه على نفسه من الظلم وما جعله للمخلوقات والمشروعات من الأسباب التي شهد بها النص مع العقل والحس واتفق عليها سلف الأمة وأئمة الدين كقوله تعالى: وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن ماء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:١٦٤] وقوله تعالى: فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ (٥٧) [الأعراف:٥٧] ونحو ذلك فإن هذه الأقاويل أصلها مأخوذ من الجهم بن صفوان إمام غلاة المجبرة وكان ينكر رحمة الرب ويخرج إلى الجذمي فيقول: أرحم الراحمين يفعل مثل هذا يريد بذلك أنه ما ثم إلا إرادة رجح بها أحد المتماثلين بلا مرجح لا لحكمة ولا رحمة ولهذا كان الذين وافقوه على قوله من المنتسبين إلى مذهب أهل السنة والجماعة يتناقضون لأنهم إذا خاضوا في الشرع احتاجوا أن يسلكوا مسالك أئمة الدين في إثبات محاسن الشريعة وما فيها من الأمر بمصالح العباد وما ينفعهم من النهي عن مفاسدهم وما يضرهم وأن الرسول الذي بعث بها بعث رحمة كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:١٠٧]، وقد وصفه الله تعالى بقوله: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧] ولو كان المعروف لا معنى له إلا المأمور به والمنكر لا معنى له إلا ما حرم لكان هذا كقول القائل يأمرهم بما يأمرهم عما ينهاهم ويحل لهم ما أحل لهم ويحرم عليهم ما حرم عليهم وهذا كلام لا فائدة فيه فضلا عن أن يكون فيه تفضيل له على غيره)) مجموع الفتاوى لابن تيمية -١٧/ ١٧٥

والظلم ممتنع منه باتفاق المسلمين، لكن تنازعوا في الظلم الذي لا يقع. فقيل هو الممتنع وكل ممكن يمكن أن يفعله لا يكون ظلماً، لأن الظلم إما التصرف في ملك الغير، وإما مخالفة الأمر الذي يجب عليه طاعته، وكلاهما ممتنع منه.

وقيل: بل ما كان ظلماً من العباد فهو ظلم منه. وقيل: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فهو سبحانه لا يظلم الناس شيئاً، قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:١١٢]. قال المفسرون: هو أن يحمل عليه سيئات غيره ويعاقب بغير ذنبه، والهضم أن يهضم من حسناته. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:٤٠]، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [هود:١٠٢]. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- ص١٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>