للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي (صحيح مسلم) عن أبي الأسود الدِّيلي، قال: قال لي عمران بن الحصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجّة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم، ومضى عليهم. قال: فقال: أفلا يكون ظلماً؟ قال: ففزعت فزعاً شديداً. وقلت: كل شيء خَلْق الله ومِلْك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فقال لي: يرحمك الله، إني لم أرد بما سألتك إلا لأحرز عقلك. إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟

فقال: ((لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها [الشمس: ٧ - ٨])) (١). وفي (سنن أبي داود) عن ابن الديلمي قال: أتيت أُبي بن كعب، فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي، قال: لو أن الله عذَّب أهل سمواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله، ما تقبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار. قال: ثم أتيت عبدالله بن مسعود، فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت فقال مثل ذلك (٢). والقدرية بمسلكهم هذا جعلوا لأهل الضلال سبيلاً عليهم، فقد ذكر عمر بن الهيثم قال: خرجنا في سفينة، وصحبنا فيها قدري ومجوسي، فقال القدري للمجوسي: أسلم. فقال المجوسي: حتى يريد الله. فقال القدري: إن الله يريد، ولكن الشيطان لا يريد. قال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان، هذا شيطان قوي. وفي رواية أنه قال: فأنا مع أقواهما. الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص٥٣


(١) رواه مسلم (٢٦٥٠).
(٢) رواه أبو داود (٤٦٩٩)، والبيهقي (١٠/ ٢٠٤). والحديث سكت عنه. قال الذهبي في ((المهذب)) (٨/ ٤٢١٢): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>