للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب ما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان: وهو أنَّ الله خالق كلّ شيء ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بنفسها وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد. وأنه سبحانه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون شيء إلا بمشيئته وقدرته، لا يمتنع عليه شيء شاءَه، بل هو القادر على كل شيء ولا يشاء شيئاً إلا وهو قادر عليه. وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها، وقد قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم: قدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة. فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها، وكتابته إياها قبل أن تكون مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية - ٨/ ٤٤٩

وقال: وسلف الأمة وأئمتها متفقون على أن العباد مأمورون بما أمرهم الله به، منهيون عما نهاهم الله عنه، ومتفقون على الإيمان بوعده ووعيده الذي نطق به الكتاب والسنة. ومتفقون على أنه لا حجّة لأحد على الله في واجب تركه، ولا محرّم فعله، بل لله الحجة البالغة على عباده. مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية - ٨/ ٤٥٢

وقال: ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وأن العباد لهم مشيئة وقدرة، يفعلون بقدرتهم ومشيئتهم ما أقدرهم الله عليه مع قولهم: إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله. مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية - ٨/ ٤٥٩

- عقيدة الإمام أبي بكر محمد الحسين الآجُرِّي في القدر

قال رحمه الله: مذهبنا في القدر أن نقول: إن الله عز وجل خلق الجنة وخلق النار، ولكل واحدة منهما أهل، وأقسم بعزته أنه يملأ جهنم من الجِنَّة والناس أجمعين. ثم خلق آدم عليه السلام، واستخرج من ظهره كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة. ثم جعلهم فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير. وخلق إبليس، وأمره بالسجود لآدم عليه السلام، وقد علم أنه لا يسجد للمقدور، الذي قد جرى عليه من الشقوة التي سبقت في العلم من الله عز وجل، لا معارض لله الكريم في حكمه، يفعل في خلقه ما يريد، عدلاً من ربنا قضاؤه وقدره. وخلق آدم وحواء عليهما السلام، للأرض خلقهما، وأسكنهما الجنة، وأمرهما أن يأكلا منها رغداً ما شاءا، ونهاهما عن شجرة واحدة أن لا يقرباها، وقد جرى مقدوره أنهما سيعصيانه بأكلهما من الشجرة. فهو تبارك وتعالى في الظاهر ينهاهما، وفي الباطن من علمه: قد قدر عليهما أنهما يأكلان منها: لا يُسْأَلُ عَما يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:٢٣]. لم يكن لهما بُدُّ من أكلهما، سبباً للمعصية، وسبباً لخروجهما من الجنة، إذ كانا للأرض خلقاً، وأنه سيغفر لهما بعد المعصية، كل ذلك سابق في علمه، لا يجوز أن يكون شيء يحدث في جميع خلقه، إلا وقد جرى مقدوره به، وأحاط به علماً قبل كونه أنه سيكون.

خلق الخلق، كما شاء لما شاء، فجعلهم شقياً وسعيداً قبل أن يخرجهم إلى الدنيا، وهم في بطون أمهاتهم، وكتب آجالهم، وكتب أرزاقهم، وكتب أعمالهم، ثم أخرجهم إلى الدنيا، وكل إنسان يسعى فيما كُتِبَ له وعليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>