للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وهذا التصديق يتبعه عمل القلب، وهو حب الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيم الله ورسوله وتعزير الله ورسوله وتوقيره، وخشية الله والإنابة إليه والإخلاص له والتوكل عليه، إلى غير ذلك من الأحوال.

فهذه الأعمال القلبية كلها من الإيمان، وهي مما يوجبها التصديق والاعتقاد إيجاب العلة المعلول.

ويتبع الاعتقاد قول اللسان، ويتبع عمل القلب عمل الجوارح من الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك (١)).

وقال بعد أن نقل عبارات السلف المذكورة .... : (وليس بين هذه العبارات اختلاف معنوي، ولكن القول المطلق والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، فقول اللسان بدون اعتقاد القلب هو قول المنافقين، وهذا لا يسمى قولاً إلا بالتقييد، كقوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: ١١].

وكذلك عمل الجوارح بدون أعمال القلوب هي من أعمال المنافقين التي لا يتقبلها الله.

فقول السلف يتضمن القول والعمل الباطن والظاهر ((٢).

قال: (وكذلك قول من قال: اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، جعل القول والعمل اسماً لما يظهر، فاحتاج أن يضم إلى ذلك اعتقاد القلب، ولا بد أن يدخل في قوله: اعتقاد القلب أعمال القلب المقارنة لتصديقه، مثل: حب الله وخشية الله، والتوكل على الله ونحو ذلك.

فإن دخول أعمال القلب في الإيمان أولى من دخول أعمال الجوارح باتفاق الطوائف كلها ((٣).

وقد سبق ضمن كلامه الشبيه بهذا ..... قوله: (إن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح ((٤).

وقوله: (فإذا قالوا: قول وعمل، فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعاً) (٥) وعند هذه العبارة علق المحقق بقوله: وعلى هامش النسخة الهندية: وقول القلب هو إقراره ومعرفته وتصديقه، وعمله هو انقياده لما صدق به.

ويقول الإمام ابن القيم: (إن الإيمان قول وعمل، والقول قول القلب واللسان, والعمل عمل القلب والجوارح، وبيان ذلك أن من عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمناً كما قال عن قوم فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:١٤].

وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح: وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت:٣٨].

وقال موسى لفرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:١٠٢].

فهؤلاء حصلوا قول القلب -وهو المعرفة والعلم- ولم يكونوا بذلك مؤمنين، وكذلك من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمناً، بل كان من المنافقين.

وكذلك: من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة، فيحب الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطاعته والتزام شريعته ظاهراً وباطناً. وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه) (٦)


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦٧٢).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٠٥ - ٥٠٦).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٠٦).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٧١).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٧٠).
(٦) ((عدة الصابرين)) (ص: ٨٨ - ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>