للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقطب رحى القرآن العظيم من فاتحته إلى خاتمته في تقرير معلوم التوحيد. يقول الشيخ صديق حسن خان رحمه الله: اعلم أن فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مسلم في كل صلاة مرات، ويفتتح بها التالي لكتاب الله والمتعلم له، فيها الإرشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعاً (١).

والتوحيد هو فاتحة القرآن العظيم وهو خاتمته، فهو فاتحة القرآن كما في أول سورة الفاتحة: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: ٢]، وهو في خاتمة القرآن العظيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس: ١] (٢).

فالقرآن من فاتحته إلى خاتمته في تقرير التوحيد بأنواعه، أو في بيان حقوق التوحيد ومقتضياته ومكملاته، أو في البشارة بعاقبة الموحدين في الدنيا والآخرة، أو في النذارة بعقوبة المشركين والمعاندين في الدارين، ثم إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته في بيان القرآن بيانا عمليا تحققت فيها معاني التوحيد، وحسمت فيه مواد الشرك على الوجه الأتم الأكمل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك، إذ هذا تحقيق قولنا: لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم، والإجلال والإكرام، والرجاء والخوف (٣).

فضله من جهة الحاجة إليه:

وأما فضل علم التوحيد باعتبار الحاجة إليه، فيظهر ذلك بالنظر إلى جملة أمور، منها:

أن الله تعالى طلبه، وأمر به كل مكلف، وأثنى على أهله، ومدح من توسل به إليه، ووعدهم أجراً عظيماً.

قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ [محمد: ١٩]، وقال عز من قائل: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء [البينة:٥].

وقال سبحانه وتعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة: ١٣٦].

وقال سبحانه: أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [الرعد: ١٩].

وقال عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: ١]، وقال تقدست أسماؤه: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ إلى قوله: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران: ١٩٣ – ١٩٥].

وقال عز وجل: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: ١٤٦].

ومنها أن عقيدة التوحيد هي الحق الذي أرسلت من أجله جميع الرسل.

قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦].

وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥].

وهي حق الله على عباده كما في حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)) (٤).

وهي ملة أبينا إبراهيم عليه السلام التي أمرنا الله باتباعها، قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: ١٢٣]، وهي أيضاً دعوته عليه السلام، قال تعالى على لسانه: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم: ٣٥].


(١) ((الدين الخالص)) للشيخ صديق حسن خان (١/ ٩).
(٢) ((حكم الانتماء)) للشيخ بكر أبو زيد (ص٥٨).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ١٣٦).
(٤) رواه البخاري (٦٢٦٧)، ومسلم (٣٠). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>