للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالظاهر والباطن متلازمان، لا يكون الظاهر مستقيماً إلا مع استقامة الباطن، وإذا استقام الباطن فلا بد أن يستقيم الظاهر؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)) (١)، وقال عمر لمن رآه يعبث في صلاته: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) (٢).

وفي الحديث: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه)) (٣).

ولهذا كان الظاهر لازماً للباطن من وجه، وملزوماً له من وجه، وهو دليل عليه من جهة كونه ملزوماً لا من جهة كونه لازماً، فإن الدليل ملزوم المدلول، يلزم من وجود الدليل وجود المدلول، ولا يلزم من وجود الشيء وجود ما يدل عليه، والدليل يطرد ولا ينعكس بخلاف الحد فإنه يطرد وينعكس) (٤). براءة أهل الحديث والسنة من بدعة المرجئة لمحمد بن سعيد الكثيري – ص: ١٢٦


(١) رواه البزار في مسنده (١/ ٤٨٨) (٣٢٦٧)، والطبراني في ((المعجم الصغير)) (١/ ٢٣٥) (٣٨٢). والحديث في الصحيحين بلفظ: ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)). رواه البخاري (٥٢)، ومسلم (٤١٧٨). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٢) لم أقف عليه من قول عمر رضي الله عنه، ولكن وقفت عليه من قول سعيد المسيب؛ رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (ص: ٤١٩)، وعبدالرزاق (٢/ ٢٦٦) (٣٣٠٨)، وابن أبي شيبة (٢/ ٢٨٩) (٦٨٥٤)، والبيهقي معلقاً (٢/ ٢٨٥) (٣٣٦٥). والحديث روي مرفوعاً؛ حيث رواه الحكيم الترمذي في ((نوادر الأصول)) (٣/ ٢١٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال العراقي في ((المغني)) (١/ ١٠٥): سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول سعيد بن المسيب. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (٩١٠): فالحديث موضوع مرفوعا، ضعيف موقوفا بل مقطوعا، ثم وجدت للموقوف طريقا آخر؛ فقال أحمد في ((مسائل ابنه صالح)) (ص: ٨٣): حدثنا سعيد بن خثيم قال حدثنا محمد بن خالد عن سعيد بن جبير قال: نظر سعيد إلى رجل وهو قائم يصلي ... إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد، يشهد لما تقدم عن العراقي أن الحديث معروف عن ابن المسيب. اهـ.
(٣) رواه أحمد (٣/ ١٩٨) (١٣٠٧١)، وابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (٩)، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (٤٤٢). من حديث أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٢١٣): رواه أحمد وفي إسناده علي بن مسعدة وثقه جماعة وضعفه آخرون. وقال العراقي في ((المغني)) (٢/ ٧٦٧): رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) بسند فيه ضعف. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢٨٤١): رجاله ثقات رجال مسلم غير الباهلي وهو حسن الحديث.
(٤) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (١٨/ ٢٧٢ - ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>