للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عبيدالله بن أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (١)، وعن عبدالله بن حبشي الخثعمي (٢)، ورواه أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة (٣) أيضاً ورواه غيرهم عن أبي ذر (٤).

ومن ذلك قوله تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ: ٣٧].

فقوله: بما عملوا يشمل إيمانهم بقلوبهم وأعمالهم الصالحة بجوارحهم المذكورين قبل.

وهذا ما فهمه السلف الصالح وأجمعوا على معناه - كما سبق في فصل حقيقة الإيمان الشرعية -، قال الوليد بن مسلم: (سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبدالعزيز ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل. ويقولون: لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان) (٥).

وقد سبق إيراد قول الإمام الأوزاعي رحمه الله: (كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل)، وقول الشافعي رحمه الله: (وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ أحد الثلاثة إلا بالآخر) (٦).

ولنوضح ذلك بمثالين: أحدهما من أعمال الجوارح والآخر من أعمال القلوب، يظهر في كل منها حقيقة العلاقة التلازمية وحقيقة التفاوت:

١ - الصلاة:

وهي من أعمال الجوارح، وقد ورد تسميتها إيماناً في القرآن، قال تعالي: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ أي صلاتكم إلى بيت المقدس (٧) , وهي بلا ريب أعظم شعب الإيمان العملية الظاهرة بعد الشهادتين، فلو تأملنا لوجدنا أنها تشمل أجزاء الإيمان الأربعة، وهي قول القلب: وهو إقراره وتصديقه بوجوبها، وعمل القلب: وهو الانقياد والإذعان بالإرادة الجازمة وتحريك الجوارح لفعلها والنية حال أدائها، وعمل اللسان: وهو القراءة والأذكار الواردة فيها، وعمل الجوارح: وهو القيام والركوع والسجود وغيرها.

٢ - الحياء:


(١) رواه أحمد (٤/ ٣٤٢) (١٩٠٣٢). من حديث ماعز وليس عبيدالله بن أسلم رضي الله عنهما. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٢/ ١٦٦): رواه أحمد إلى ماعز رواة الصحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ٢١٠): رجال أحمد رجال الصحيح، وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (٣/ ٣٣٧): رواته ثقات، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (١٠٩١).
(٢) رواه أحمد (٣/ ٤١١) (١٥٤٣٧)، ورواه النسائي (٨/ ٤٦٩). والحديث حسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ١٦) كما أشار لذلك في المقدمة، وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)): صحيح.
(٣) رواه الطيالسي (ص: ٣٢٩) (٢٥١٨). والحديث رواه البخاري (٢٦)، ومسلم (٨٣).
(٤) رواه البخاري (٢٥١٨)، ومسلم (٨٤).
(٥) رواه الطبري في ((صريح السنة)) (ص: ٢٥)، واللالكائي في ((اعتقاد أهل السنة)) (٤/ ٩٣٠) (١٥٨٦).
(٦) انظر: ((جامع العلوم والحكم)) (١/ ٥٧) و ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ٢٨٠).
(٧) انظر الفتح (١/ ٩٥) كما ورد تسميتها إيمانا في حديث وفد عبد الفيس السابق وغيره، ومع ذلك أخرج المرجئة الصلاة من الإيمان وأولو الآية بأن المراد ليس صلاتكم بل التصديق بها، انظر المواقف ص ٣٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>