للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما اختاره الأشعري في أحد قوليه، قال شيخ الإسلام: (وقد ذكر الأشعري في كتابه الموجز قول الصالحي هذا وغيره، ثم قال: والذي أختاره في الأسماء قول الصالحي) (١).

ومن هؤلاء: بشر المريسي، وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر، ولا السجود لغير الله كفر، ولكنه عَلَم على الكفر؛ لأن الله بين أنه لا يسجد للشمس إلا كافر (٢).

ومنهم: أبو معاذ التومني وأصحابه، وكان يقول: من قتل نبيا أو لطمه كفر، وليس من أجل اللطمة كفر، ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له (٣).

قال ابن حزم في بيان مذهب الجهمية ومن وافقهم: (وقال هؤلاء: إن شتم الله وشتم رسول الله ليس كفرا، لكنه دليل على أن في قلبه كفرا) (٤).

وقال: (وأما سب الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد إلا أن الجهمية والأشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفرا. قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر، لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى. وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام، وهو أنهم يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط وإن أعلن بالكفر وعبادة الأوثان بغير تقية ولا حكاية، لكن مختارا ذلك في الإسلام.

قال أبو محمد: وهذا كفر مجرد؛ لأنه خلاف لإجماع الأمة ولحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة ومن بعدهم، لأنه لا يختلف أحد لا كافر ولا مؤمن في أن هذا القرآن هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر أنه وحي من الله تعالى- وإن كان قوم كفار من الروافض ادعوا أنه نقص منه وحرف-، فلم يختلفوا أن جملته كما ذكرنا، ولم يختلفوا في أن فيه التسمية بالكفر، والحكم بالكفر قطعا على من نطق بأقوال معروفة، كقوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:٧٢]، وقوله تعالى: وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ [التوبة:٧٤]، فصح أن الكفر يكون كلاما.


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٤٤)، وانظر: (٧/ ٥٠٩). وكثيرا ما يقرن شيخ الإسلام بين جهم والصالحي، ويجعل الأشاعرة ممن نصروا قولهما في الإيمان. ولاشك أن جهما والصالحي متفقان على أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، كما حكاه الأشعري عنهما في المقالات، ونقله شيخ الإسلام /، لكن عند التحقيق يتبين أن الصالحي يخالف جهما في مسألتين: الأولى: أنه زعم أن (معرفة الله هي المحبة له، وهي الخضوع لله) ((المقالات)) (١/ ٢١٤) و ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٤٤) فأثبت عمل القلب، لكن جعله نفس المعرفة. وأما جهم فلا يثبت عمل القلب، كما تقدم. لكن مذهب الصالحي باطل أيضا؛ ويلزم منه القول بأن إبليس وفرعون لم يكونا مصدقين، لذهاب عمل القلب منهما، ولعل شيخ الإسلام كان يشير إلى الصالحي ومن تبعه حين قال: والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان، فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضا، وجعلها هي التصديق، فهذا ضلال بين) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٥٤). وانظر ما سبق (ص٧٠ - ٧٧) عن العلاقة بين التصديق وعمل القلب، وما سيأتي عند الكلام على الفرق بين "معرفة" جهم و"تصديق" الأشاعرة، (ص٢٤٧). الثانية: أن ظاهر ما نقل عن الصالحي أنه يحكم بالكفر باطنا، لمن أتى المكفرات الظاهرة، وأما جهم فقد التزم أن من قال الكفر أو فعله، فهو كافر في الظاهر مؤمن في الباطن، والأشعري تبع قول الصالحي، وخالف جهما في هذا،.
(٢) ((المقالات)) (١/ ١٤٠)، و ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٤٨)، و ((الفرق بين الفرق)) (ص١٩٣).
(٣) ((الملل والنحل)) للشهرستاني (١/ ١٤١).
(٤) ((الفصل)) لابن حزم (٣/ ٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>