للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القول مع أنه أفسد قول قيل في الإيمان فقد ذهب إليه كثير من أهل الكلام المرجئة) (١).

وقال: (فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله، والتكلم بالتثليث وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفرا في الباطن، ولكنه دليل في الظاهر على الكفر، ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفا بالله موحدا مؤمنا به) (٢).

ولابن حزم كلام قوي في الرد على الأشاعرة في هذه المسألة، ومن ذلك قوله:

(ونقول للجهمية والأشعرية في قولهم: إن جحد الله تعالى وشتمه وجحد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان كل ذلك باللسان فإنه ليس كفرا لكنه دليل على أن في القلب كفرا: أخبرونا عن هذا الدليل الذي ذكرتم، أتقطعون به فتثبتونه يقينا ولا تشكون في أن في قلبه جحدا للربوبية وللنبوة، أم هو دليل يجوز ويدخله الشك ويمكن أن لا يكون في قلبه كفر؟ ولا بد من أحدهما، فإن قالوا: إنه دليل لا نقطع به قطعا ولا نثبته يقينا، قلنا لهم: فما بالكم تحتجون بالظن الذي قال تعالى فيه: إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم:٢٨]) (٣).

وقال أيضا: (وأما قولهم: إن شتم الله تعالى ليس كفرا، وكذلك شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو دعوى؛ لأن الله تعالى قال: يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ [التوبة:٧٤] فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر. وقال تعالى: أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ [النساء:١٤٠] فنص تعالى أن من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع. وقال تعالى: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً [التوبة:٦٥ - ٦٦]، فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن الإيمان، ولم يقل تعالى في ذلك: إني علمت أن في قلوبكم كفرا، بل جعلهم كفارا بنفس الاستهزاء، ومن ادعى غير هذا فقد قوَّل الله تعالى ما لم يقل، وكذب على الله تعالى) (٤).

وقال: (وأما الأشعرية فقالوا: إن شتم من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم، وإعلان التكذيب بهما باللسان بلا تقية ولا حكاية، والإقرار بأنه يدين بذلك، ليس شيء من ذلك كفرا، ثم خشوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم فقالوا: لكنه دليل على أن في قلبه كفرا. فقلنا لهم: وتقطعون بصحة ما دل عليه هذا الدليل؟ فقالوا: لا) (٥).


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٨٨) وما بعدها.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٥٧).
(٣) ((الفصل)) (٣/ ٢٥٩).
(٤) ((الفصل)) (٣/ ٢٤٤).
(٥) ((الفصل)) (٥/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>