للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال رحمه الله أيضاً: (وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك. وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: ((يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صياماً، ولا حجاً، ولا عمرة، إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون: "لا إله إلا الله")). فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم (لا إله إلا الله)؟ فقال: "تنجيهم من النار"). اهـ (١).

وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

(القسم الخامس: ما ورد مقيداً بحال يعذر فيها بترك الصلاة، كالحديث الذي رواه ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب ... )) (٢) الحديث. وفيه: ((وتبقى طوائف الناس)).

فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام، لأنهم لا يدرون عنها، فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه، وحالهم تشبه من ماتوا قبل فرض الشرائع، أو قبل أن يتمكنوا من فعلها، كمن مات عقيب شهادته قبل أن يتمكن من فعل الشرائع، أو أسلم قبل العلم بالشرائع) (٣).

الشبهة الثانية: استشهادهم على ما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، والذي اشتهر بحديث البطاقة، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يصاح برجل من أمتي يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول الله عز وجل هل تنكر من هذا شيئاً فيقول: لا يا رب فيقول أظلمك كتبتي الحافظون ثم يقول ألك عندنا حسنة فيهاب الرجل فيقول لا فيقول بلى إن لك عندنا حسنات وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا تظلم.

فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السلجات وثقلت البطاقة)) (٤).

قال محمد بن يحيى – شيخ ابن ماجه – (البطاقة: الرقعة. وأهل مصر يقولون للرقعة: بطاقة).

احتج بعضهم بهذا الحديث على أن النجاة من النار يوم القيامة تكون باعتقاد القلب، ونطق اللسان، وإن خلا العبد من أي عمل من أعمال الجوارح.

والجواب عن ذلك من خمسة أوجه:

الوجه الأول: لابد من حمل هذا الحديث على من قالها مع النجاة من الشرك، وإلا فإنه لو قالها مع الشرك بالله تعالى لم تنفعه، - وهم متفقون مع أهل السنة في ذلك -. قال الله تعالى لخير خلقه وصفوة أنبيائه ورسله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: ٦٥].


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٣٥/ ١٦٥).
(٢) رواه ابن ماجه (٤٠٤٩) والحاكم (٤/ ٥٢٠) (٨٤٦٠) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه, قال ابن حجر ((فتح الباري)): إسناده قوي (١٣/ ١٩) , وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٨٧): صحيح على شرط مسلم، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (٣٠٣): صحيح.
(٣) ((حكم تارك الصلاة)) (ص: ٢٥، ٢٦).
(٤) رواه الترمذي (٢٦٣٩) وابن ماجه واللفظ له (٤٣٠٠) وأحمد (٢/ ٢١٣) (٦٩٩٤) والحاكم (١/ ٤٦) (٩) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, قال الترمذي: حسن غريب, وكذا قال البغوي في ((شرح السنة)) (٧/ ٤٩٠) , وحسنه الشوكاني في ((فتح القدير)) (٢/ ٢٧٣) , وقال الألباني ((مشكاة المصابيح)) (٥٤٩٢): إسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>