للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة عند هؤلاء من هذه النصوص، - ونحوها من النصوص العامة – أن عمومها يدل على أنه لا يخلد في النار إلا المشرك، ولم يذكر في هذه النصوص أن تارك العمل من المخلدين في النار، وأن بعض هذه الأدلة علق السعادة والشفاعة لأهل كلمة (لا إله إلا الله)، ولم يذكر فيها العمل، وأن العصمة تكون لأهل كلمة التوحيد دون تعرض للعمل، وأن بعض الأحاديث فرق بين شهادة لا إله إلا الله والعمل، مما يدل على المغايرة ... وغير ذلك من أقوالهم.

الجواب عن استشهادهم بهذه الأدلة:

١ - (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما الذين لم يكفروا بترك الصلاة ونحوها، فليست لهم حجة إلا وهي متناولة للجاحد كتناولها للتارك، فما كان جوابهم عن الجاحد كان جواباً لهم عن التارك، مع أن النصوص علقت الكفر بالتولي كما تقدم، وهذا مثل استدلالهم بالعمومات التي يحتج بها المرجئة كقوله: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، أدخله الله الجنة). ونحو ذلك من النصوص) (١).

٢ - قال الشيخ العلامة حمد بن علي بن محمد بن عتيق رحمه الله معلقاً على حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه السابق: ((من شهد أن لا إله إلا الله)) أي من شهد أن لا معبود بحق إلا الله، وقام بوظائف هذه الكلمة من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله، وتبرأ من كل المعبودات سواه، سواء كان ذلك المعبود نبياً أو غيره، وأن محمداً عبده ورسوله الصادق المصدوق، أفضل الرسل، فهو عبد الله ورسوله، أوجب الله تعالى على الخلق طاعته، ونهى عن عبادته، وأمر بإخلاص العبادة لله بجميع أنواعها، كما قال: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء: ٣٦]. وليس المراد أن الإنسان إذا شهد بهذا من غير عمل بمقتضاه يحصل له دخول الجنة، بل المراد به الشهادة لله بالتوحيد، والعمل بما تقتضيه شهادة أن لا إله إلا الله، من الإخلاص، وما تقتضيه شهادة أن محمداً عبده ورسوله، من الإيمان به، وتصديقه، وأتباعه) (٢).

وقال رحمه الله أيضاً عند تعليقه على حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه السابق: (قوله: ((يبتغي بذلك وجه الله)) كقوله: ((من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، حرم الله عليه النار)) (٣)، ونحوه، وكالأحاديث التي فيها أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة. قال شيخ الإسلام وغيره: هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة، وقالها مخلصاً من قلبه، مستيقناً بها قلبه، غير شاك فيها بصدق ويقين. فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة، فمن شهد: أن لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه دخل الجنة؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله أن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك. وقال الحسن: معنى هذه الأحاديث: من قال هذه الكلمة، وأدى حقها وفريضتها. وقيل إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك، وهذا قول البخاري. وقال ابن المسيب: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض والأمر والنهي.


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦١٣، ٦١٤).
(٢) ((إبطال التنديد باختصار كتاب التوحيد)) (ص: ٢١).
(٣) رواه البخاري (٤٢٥) , ومسلم (٣٣) من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>