للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: هذا الخبر قد روي فيه ((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرم دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله)). رواه ابن ماجه وابن خزيمة في (صحيحة) (١). فهذا المقيد يقضي على ذلك المطلق، ثم لو كان قد قيل مفرداً، فإن الصلاة والزكاة من حقها، كما قال الصديق لعمر ووافقه عمر وسائر الصحابة على ذلك، ويكون صلى الله عليه وسلم قد قال كلا من الحديثين في وقت، فقال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) (٢)؛ ليعلم المسلمون أن الكافر المحارب إذا قالها وجب الكف عنه، وصار دمه وماله معصوماً، ثم بين في الحديث الآخر أن القتال ممدود إلى الشهادتين والعبادتين؛ ليعلم أن تمام العصمة وكمالها إنما تحصل لذلك، ولئلا تقع الشبهة؛ فإن مجرد الإقرار لا يعصم على الدوام، كما وقعت لبعض الصحابة حتى طلاها الصديق ثم وافقه، وتكون فائدة ذلك أنه إذا قال (لا إله إلا الله) كان قد شرع في العاصم لدمه، فيجب الكف عنه، فإن تمم ذلك تحققت العصمة وإلا بطلت، وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار ((أن رجلاً من الأنصار حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فساره فاستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله قال الأنصاري: بلى يا رسول الله، ولا شهادة له، فقال: أليس يشهد أن محمداً رسول الله قال: بلى ولا شهادة له، قال: أليس يصلي قال: بلى ولا صلاة له، قال: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم)) (٣). رواه الشافعي، وأحمد في (مسنديهما). ولو كانت الشهادتان موجبة للعصمة مع ترك الصلاة لم يسأل عنها، ولم يسقها مع الشهادتين مساقاً واحداً. وقوله بعد ذلك: ((أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم)). يوجب حصر الذين نهي عن قتلهم في هذا الصنف. وعن أبي سعيد في حديث الخوارج، فقال ذو الخويصرة التميمي للنبي صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله، اتق الله. فقال: ويلك، ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال: ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال: لا، لعله أن يكون يصلي. قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم)) رواه مسلم (٤)، فلما نهى عن قتله وعلل ذلك باحتمال صلاته علم أن ذلك هو الذي حقن دمه لا مجرد الإقرار بالشهادتين؛ فإنه قد قال: يا رسول الله، ومع هذا لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وحده موجبا لحقن الدم. وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، فقالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم فقال لا، ما صلوا)) رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي. ولأن الصلاة أحد مباني الإسلام الخمسة فيقتل تاركها كالشهادتين.


(١) رواه ابن ماجه (٣٩٢٧) وابن خزيمة (٢٢٤٨) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(٢) رواه البخاري (١٣٩٩)، ومسلم (٢٠) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(٣) رواه مالك في الموطأ (١/ ١٧١) (٤١٣) وأحمد (٥/ ٤٣٢) (٢٣٧٢٠) والشافعي في مسنده (١/ ٣٢٠) (١٤٩٦) وابن حبان في صحيحه (١٣/ ٣٠٩) (٥٩٧١) من حديث عبدالله بن عدي بن الحمراء رضي الله تعالى عنه. قال الذهبي (المهذب) (٣/ ١٢٩٥): جيد الإسناد من أمالي عبد الرزاق ولم يخرجوه في الستة وقال العراقي (طرح التثريب) (٢/ ١٤٥): إسناده صحيح وقال الهيثمي (مجمع الزوائد) (١/ ٢٩): رجاله رجال الصحيح.
(٤) رواه البخاري (٤٣٥١) , ومسلم (١٠٦٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>