للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)) (١).

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والحياء شعبة من الإيمان)) (٢).

وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا)) (٣).

وغيرها من الأحاديث ففي هذه النصوص أوضح دلالة على تفاضل الناس في أعمال القلوب وتفاوتهم فيها.

ثم إن النصوص الواردة في ذلك كثيرة، ولو تتبعتها وذكرت كل عمل من الأعمال القلبية بأدلته ... لطال المقام، والأمر لا يحتاج إلى ذلك، لأن كل إنسان يحس ذلك ويلمسه في نفسه، فإن الإنسان يجد نفسه في وقت أشد حياء منه في الوقت الآخر، وفي وقت أشد خوفاً منه في الوقت الآخر، وهكذا سائر أعمال القلب، فإن الإنسان يحس في نفسه تفاوته من وقت لآخر فيها.

قال شيخ الإسلام: (فإنه من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن، أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتوكل عليه والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرياء والكبر والعجب، ونحو ذلك، والرحمة للخلق والنصح لهم .. ثم ذكر بعض نصوص الكتاب والسنة الدالة على ذلك، ثم قال: وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه، فإنه قد يكون الشيء الواحد يحبه تارة أكثر مما يحبه تارة، ويخافه تارة أكثر مما يخافه تارة) (٤).

وبيّن في موضع آخر أن هذا هو قول أهل السنة والجماعة، فقال: (والذي مضى عليه سلف الأمة وأئمتها أن نفس الإيمان الذي في القلوب يتفاضل .. ) (٥).

وقال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (وأما كون الذي في القلب والذي في الجوارح يزيد وينقص فذاك شيء معلوم، والسلف كانوا يخافون على الإنسان إذا كان ضعيف الإيمان النفاقَ أو سلبَ الإيمان كله) (٦).

الوجه السادس:

إن الأعمال الظاهرة يتفاضل الناس فيها وتزيد وتنقص وهذا شامل لأعمال اللسان، كالتسبيح والتكبير والاستغفار والذكر وقراءة القرآن وغيرها، وشامل لأعمال الجوارح، كالصلاة والحج والجهاد والصدقة وغيرها. فهذه الأعمال الظاهرة هي من الإيمان، وداخله في مسماه، والتفاضل يقع فيها كما يقع في الأعمال الباطنة.

قال شيخ الإسلام: (وهذا مما اتفق الناس على دخول الزيادة فيه والنقصان، لكن نزاعهم في دخول ذلك في مسمى الإيمان ... ) (٧).

وقال: (وأما زيادة العمل الصالح الذي على الجوارح ونقصانه فمتفق عليه وإن كان في دخوله في مطلق الإيمان نزاع، والذي عليه أهل السنة والحديث أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) (٨).

أما الأدلة على تفاضل الناس في الأعمال الظاهرة: أعمال اللسان، وأعمال الجوارح فكثيرةٌ جداً.

فمن أدلة تفاضل الناس في أعمال اللسان:

قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا [الأحزاب: ٤٢].

وقول الله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران: ٤١].


(١) رواه أبو داود (٤٦٨١)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (١٧/ ١٦٨). والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (١/ ٧١) كما أشار لهذا في المقدمة، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٢) رواه البخاري (٩)، ومسلم (١٦١).
(٣) رواه البخاري (٢٠).
(٤) ((الفتاوى)) (٧/ ٥٦٣).
(٥) ((الفتاوى)) (٦/ ٤٧٩).
(٦) ((الدرر السنية)) (١/ ١٠٦) ومجموع مؤلفات الشيخ ((قسم الفتاوى)) (ص: ٥١).
(٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٥٦٢).
(٨) ((الفتاوى)) (٦/ ٤٧٩) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>