للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر الله عن أولي الألباب الذين هم خواص الخلق أنهم قالوا: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ [آل عمران: ١٩٣] وهو هذا الرسول الكريم يُنَادِي لِلإِيمَانِ بقوله وخلقه، وعمله ودينه، وجميع أحواله فَآمَنَّا أي: إيمانا لا يدخله ريب ... )

إلى أن قال: (ولهذا كان الرجل المنصف الذي ليس له إرادة إلا اتباع الحق، بمجرد ما يراه ويسمع كلامه يبادر إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم، ولا يرتاب في رسالته، بل كثير منهم بمجرد ما يرى وجهه الكريم يعرف أنه ليس بوجه كذاب ... ) (١). زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبد الرزاق البدر- ص١٩٥

المسألة الرابعة: تأمل محاسن الدين الإسلامي

فإن الدين الإسلامي كله محاسن، عقائده أصح العقائد وأصدقها وأنفعها، وأخلاقه أحمد الأخلاق وأجملها، وأعماله وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها.

وبهذا النظر الجليل، والتأمل الجميل في محاسن هذا الدين، يزين الله الإيمان في قلب العبد، ويحببه إليه كما امتن به على خيار خلقه بقوله وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات: ٧] فيكون الإيمان في القلب أعظم المحبوبات، وأجمل الأشياء، وبهذا يذوق العبد حلاوة الإيمان، ويجدها في قلبه، فيتجمل الباطن بأصول الإيمان وحقائقه، وتتجمل الجوارح بأعمال الإيمان (٢).

قال ابن القيم رحمه الله: (وإذا تأملت الحكمة الباهرة في هذا الدين القويم والملة الحنيفية والشريعة المحمدية التي لا تنال العبارة كمالها ولا يدرك الوصف حسنها ولا تقترح عقول العقلاء ولو اجتمعت وكانت على أكمل عقل رجل منهم فوقها، وحسب العقول الكاملة الفاضلة أن أدركت حسنها وشهدت بفضلها، وأنه ما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجل ولا أعظم منها، فهي نفسها الشاهد والمشهود له، والحجة والمحتج له، والدعوى والبرهان ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهاناً وآيةً وشاهداً على أنها من عند الله) (٣).

ولهذا فإن تأمل محاسن هذا الدين، والنظر فيما جاء فيه من أوامر ونواه، وشرائع وأحكام، وأخلاق وآداب، لمن أعظم الدواعي والدوافع للدخول فيه لمن لم يؤمن، وللازدياد منه لمن آمن، بل إن من قوي تأمله لمحاسن هذا الدين، ورسخت قدمه في معرفته ومعرفة حسنه وكماله، وقبح ما خالفه، كان من أقوى الناس إيماناً وأحسنهم ثباتاً عليه، وتمسكاً به.

ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله: (والمقصود أن خواص الأمة، ولبابها، لما شهدت عقولهم حسن هذا الدين وجلالته وكماله، وشهدت قبح ما خالفه ونقصه ورداءته خالط الإيمان به ومحبته بشاشة القلوب، فلو خير بين أن يلقى في النار وبين أن يختار ديناً غيره، لاختار أن يقذف في النار وتقطع أعضاؤه ولا يختار ديناً غيره، وهذا الضرب من الناس هم الذين استقرت أقدامهم في الإيمان، وهم أبعد الناس عن الارتداد عنه وأحقهم بالثبات عليه إلى يوم لقاء الله) (٤).


(١) ((التوضيح والبيان)) (ص: ٢٩).
(٢) ((التوضيح والبيان)) (ص: ٣٢).
(٣) ((مفتاح دار السعادة)) (ص: ٣٢٤، ٣٢٨ وما بعدها).
(٤) ((مفتاح دار السعادة)) (٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>