للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن حجر: - (واستدل به على تكفير تارك الصلاة؛ لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها، فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى) (١)

فتأمل تنوع الجوابين لاختلاف الزمان والحال والله أعلم

٣ - وأما استدلالهم بحديث أبي ذر مرفوعاً: ((إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة .. )) الحديث، فقد أجاب محمد بن نصر عن استدلالهم بما يلي: (ليس في هذه الأخبار التي احتججتم بها دليل على أن تارك الصلاة عمداً، حتى يخرج وقتها لا يكفر، متعمدين لتركها حتى يذهب وقتها. إنما قال في حديث عبادة يكون عليكم أمراء يشغلهم أشياء عن الصلاة، فإنما أخروها عن الوقت الذي كانت تصلى فيه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ... فكانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار إلى وقت أصحاب العذر .. ولا يؤخرونها حتى يخرجوا من وقت أصحاب العذر كله، فلم يكونوا يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت كله، إنما كانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار، ويصلون في آخر وقت العذر، فلذلك لم يثبت عليهم الكفر). (٢)

وأجاب ابن تيمية قائلاً: (وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، ((صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة)) (٣). وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر، والعصر إلى وقت الاصفرار، وذلك مما هو مذمومون عليه، ولكن ليسوا كمن تركها أو فوتها حتى غابت الشمس، فإن هؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ونهى عن قتال أولئك، فإنه لما ذكر أنه سيكون أمراء يفعلون ويفعلون، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: - (لا، ما صلوا) وقد أخبر عن هذه الصلاة التي يؤخرونها، وأمر أن نصلي في الوقت، وتعاد معم ناقلة، فدل على صحة صلاتهم، ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم) (٤).

- واستكمالاً لأجوبة القائلين بتكفير تارك الصلاة، نضيف ما يلي: -

٤ - أما استدلالهم بقوله تعالى: - إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ الآية [النساء: ٤٨]، فقد تقرر بالأدلة أن ترك الصلاة كفر وشرك، كما جاء في حديث جابر مرفوعاً: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) (٥)، فيكون ترك الصلاة داخلاً في عموم الآية من جهة الدلالة على أن ذلك مما لا يغفره الله تعالى، وبهذا نصدق بجميع تلك النصوص، ويتحقق إعمالها دون إهمالها.

وأما احتجاجهم بحديث أبي ذر مرفوعاً: ((لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة)) ففي سنده قدامة بن عبدالله بن عبدة البكري، قال عنه ابن حجر: - (مقبول) (٦)، وفي سنده جسرة بنت دجاجة، قال البيهقي: فيها نظر، وقال البخاري في تاريخه: - وعند جسرة عجائب (٧).

وقد أورد ابن خزيمة هذا الحديث بصيغة تشعر بعدم صحته، فعقد باباً بعنوان: - (باب إباحة ترديد الآية الواحدة في الصلاة مراراً عند التدبر والتفكر في القرآن إن صح الخبر)، ثم ساق الحديث المذكور (٨)

ويمكن أن يقال: أن الحديث علق ترك الصلاة بأمر ممتنع لا يمكن الاطلاع عليه، فمن المعلوم أن (لو) حرف امتناع لامتناع، وبهذا نعلم أن هذه الرواية قد قيدت بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.


(١) ((فتح الباري)) (٢/ ٢٧٥)، ويجب التنبيه هاهنا أن قول الصحابي: سنة محمد أو فطرته له حكم الرفع - على القول الراجح كما ذكر الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (٢/ ٢٧٥).
(٢) ((تعظيم قدر الصلاة)) (٢/ ٩٥٧ - ٩٦٣) بتصرف.
(٣) رواه مسلم (٦٤٨).
(٤) ((منهاج السنة النبوية)) (٥/ ٢١٠، ٢١١)، وانظر: كتاب ((الصلاة)) لابن القيم (ص٢٦).
(٥) رواه مسلم (٨٢).
(٦) ((تقريب التهذيب)) (٢/ ١٢٤).
(٧) انظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (١/ ٣٩٩).
(٨) انظر: ((صحيح ابن خزيمة)) (٢/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>