للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إضافة إلى ذلك، فقد جاء في رواية هذا الحديث: - صليت صلاة واحدة بغير طهور فهو إذاً ليس تاركاً للصلاة بالكلية بتركه الوضوء، وإنما هي صلاة واحدة ... وهناك فرق ظاهر بين من تركها بالكلية ... ومن ترك صلاة واحدة وقد يفعل بعض المسلمين ذلك، فيصلي بغير وضوء، فيكون مستحقاً للذم والعقاب، وقد يفعله مع اعترافه بالذنب فلا يكفر، كما ظن بعض الأحناف عندما أطلقوا كفر من صلى بغير طهارة (١)، ولكن لو فعله على سبيل الاستهانة والاستخفاف فهو كافر (٢) فكيف بحال هذا الرجل الذي كان مداوماً على الوضوء والصلاة .. لكنه صلى صلاة واحدة بغير وضوء؟ وأما قوله: - إن دعاء الكافرين داخل في قوله تعالى: - وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ [غافر: ٥٠] فلا يستجاب لهم، فهذا كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل، فقد يدعو الكافر ربه فيستجاب له، كما جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن.

قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الأنعام: ٤٠ - ٤١].

وقال سبحانه: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: ٦٥]

وأما دعاء الكافرين لغير الله تعالى فهو ضلال، كما هو ظاهر الآية التالية: - لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ [الرعد: ١٤].

كما ينبغي مراعاة الفرق بين حياة البرزخ كما جاء في الحديث الذي استدلوا به، ودخول دار الجزاء (الجنة أو النار) كما في الآية: - وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ [غافر: ٥٠] ففي البرزخ قد يقع التكليف كما في سؤال الملكين، وكذا في عرصات القيامة يدعون إلى السجود، وأما بدخول دار الجزاء فينقطع التكليف، كما في الآية. (٣)

إضافة إلى ذلك فهذا الحديث – المتكلم على سنده ومتنه – معارض لحديث صحيح صريح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: - ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده)) (٤)

٩ - وأما الحديث الذي أخرجه الخلال وفيه أن مولى للأنصار مات وكان يصلي ويدع، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله والصلاة عليه ودفنه .. فهذا الحديث في سنده مقال .. فأبو شميلة مختلف في صحبته ...

وقد ذكر الذهبي وابن حجر وغيرهما قصة تدل على صحبته، لكن في سندها محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. (٥)

وفيه عبدالوهاب بن عطاء، قال عنه ابن حجر: - صدوق، ربما أخطأ (٦)

وضعف الألباني هذا الحديث في (الضعيفة). (٧)


(١) انظر: ((رسالة البدر الرشيد الحنفي في الألفاظ المكفرات)) (ص٢٩)
(٢) انظر: ((منهاج السنة النبوية)) (٥/ ٢٠٤)، وانظر: حكم تارك الوضوء في كتاب ((الصلاة)) لابن القيم (ص٢٧، ٢٨).
(٣) انظر: ((مختصر الفتاوى المصرية)) لابن تيمية (ص٦٤٥، ٦٤٦).
(٤) رواه مسلم (١٦٣١).
(٥) انظر: ((الإصابة)) (٧/ ٢٠٨)، و ((تجريد الصحابة)) للذهبي (٢/ ١٧٨).
(٦) انظر: ((تهذيب التهذيب)) (٦/ ٤٥١ - ٤٥٣)، و ((تقريب التهذيب)) (١/ ٥٢٨).
(٧) انظر: ((حكم تارك الصلاة)) (ص٦٤)، حيث ذكر أنه ضعيف، وانظر أيضاً: ((السلسلة الضعيفة)) (٦٠٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>