للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلم أن من لم يكن يسجد لله تأكله النار كله. (١)

وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلماً، ولكنه كان لا يصلي لا يخرج إذ لا علامة له. (٢)

وإن كانوا يحتجون برواية ((لم يعملوا خير قط)) على عدم كفر تارك الصلاة، في نفس الوقت يدفعون توهم من زعم أن المراد بالخير المنفي تجويز إخراج غير الموحدين من النار، كما قال ابن حجر: - (ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين، كما تدل عليه بقية الأحاديث) (٣)

فكذا يقال أيضاً أن هذا الخير المنفي ما زاد على فعل الصلاة كما جاءت بذلك النصوص.

وقال ابن خزيمة: - (هذه اللفظة ((لم يعملوا خيراً قط)) من الجنس الذي يقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه على الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، لم يعملوا خيراً قط، على التمام والكمال .. ) (٤).

١٢ - وأما دعواهم الإجماع – على فرض صحتها – فهي منقوضة ومردودة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم كما نقله أبو هريرة رضي الله عنه، وعبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله، فالإجماع على مراتب، وأقواها إجماع الصحابة رضي الله عنهم. (٥).

وقولهم لا نعلم بين المسلمين خلافاً لا يعد إجماعاً (٦)، ونفي العلم ليس علماً بالنفي.

إضافة إلى ذلك فإنه قد يصعب القطع بأن فلاناً لا يصلي تماماً، خاصة أن من ادعى أنه صلى في أهله وبيته، قبل منه، كما دل عليه حديث محجن – وقد تقدم – وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لمحجن: ((ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟)) قال محجن: بلى يا رسول الله، ولكني صليت في أهلي وقد استنبط ابن عبدالبر من هذا الحديث أن من أقر بالصلاة وإقامتها أنه يوكل إلى ذلك إذا قال إني أصلي؛ لأن محجناً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد صليت في أهلي، فقبل منه. (٧)

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: - (من قيل أنه لا يصلي فكذبهم صدق). (٨)

وقال النووي: - (إذا أراد السلطان قتله، فقال: صليت في بيتي ترك). (٩)

إن الترك للصلاة – والذي يعد ناقضاً من نواقض الإيمان – لا يتحقق في المعين إلا بالإصرار على تركها، والأصل في المسلم فعل الصلاة حتى يثبت ما يناقض ذلك، فمن أظهر أداء الصلاة فهو المسلم حكماً وظاهراً، وقد يكون مؤمناً عند الله، وقد يكون منافقاً كافراً، فليس كل من قيل عنه أنه كافر، تجرى عليه أحكام الكفر. (١٠)

يقول ابن تيمية: - (إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام). (١١)

وأما قولهم: إن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتداً لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام ..

فقد أجاب عنه محمد بن نصر المروزي بقوله: -


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦١٢).
(٢) انظر: ((فتح الباري)) (١١/ ٤٥٧).
(٣) انظر: ((فتح الباري)) ((١٣/ ٤٢٩).
(٤) كتاب ((التوحيد)) (٢/ ٧٣٢).
(٥) انظر: ((المغني في أصول الفقه)) للخبازي (ص٢٨٢)، و ((فتح الغفار بشرح المنار)) لابن نجيم (٣/ ٧).
(٦) انظر: ((أعلام الموقعين)) لابن القيم (١/ ٣٠)، و ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص٩٠).
(٧) انظر: ((التمهيد)) (٤/ ٢٢٤).
(٨) ((الأم)) (١/ ٣٩٠).
(٩) ((روضة الطالبين)) (٢/ ١٤٧).
(١٠) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦١٧).
(١١) ((مجموع الفتاوي)) (٧/ ٧١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>