للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر البغوي رحمه الله تعالى نحو حديث ابن عباس وفيه ((فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق الله تعالى فبدا له في الرجوع فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدوم قومه وقال له انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وأن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير فانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فأنزل الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: ٦] الآية)) (١)

وأما إن كان الممتنع عن أداء الزكاة فردا من الأفراد فأجمعوا على أنها تؤخذ منه قهرا واختلفوا من ذلك في مسائل:

إحداها هل يكفر أم لا؟

فقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة (٢)

وقال أيوب السختياني: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكى إسحاق عليها إجماع أهل العلم وقال محمد بن نصر المروزي هو قول جمهور أهل الحديث وذهب طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمس عمدا أنه كافر وروى ذلك سعيد بن جبير ونافع والحكم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها طائفة من أصحابه وهو قول ابن حبيب من المالكية ... وقال ابن عيينة المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم وليس سواء لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر كفر وبيان ذلك في أمر إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.

المسألة الثانية هي يقتل أم لا؟

الأول هو المشهور عن أحمد رحمه الله تعالى ويستدل له بحديث ابن عمر رضي الله عنهما ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) (٣) الحديث

والثاني لا يقتل وهو قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد رحمهم الله تعالى وروى اللالكائي من طريق مؤمل قال: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ولا أحسبه إلا رفعه قال: عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان من ترك منهن واحدة فهو بها كافر ويحل دمه وتجده كثير المال ولا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه ورواه قتيبة بن سعيد عن حماد بن زيد مرفوعا مختصرا ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد عن عمرو بن مالك بهذا الإسناد مرفوعا وقال من ترك منهن واحدة – يعني الثلاث الأول – فهو بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله ولم يذكر ما بعده (٤).

المسألة الثالثة لمن لم ير قتله هل ينكل بأخذ شيء من ماله مع الزكاة؟

وقد روى في خصوص المسألة حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم (٥) وعلق الشافعي القول به على ثبوته فإنه قال: لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لقلنا به (٥٥٢). معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص٧٨٣


(١) ((تفسير البغوي)) (ص: ٣٣٨).
(٢) رواه الترمذي (٢٦٢٢). قال النووي في ((الخلاصة)) (١/ ٢٤٥) والعراقي في ((طرح التثريب)) (٢/ ١٤٦)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (٢/ ٨١٩) والألباني في ((مشكاة المصابيح)) (٥٥١): إسناده صحيح.
(٣) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (٢٢).
(٤) رواه اللالكائي في ((اعتقاد اهل السنة والجماعة)) (٤/ ٨٤٥).
(٥) رواه أبو داود (١٥٧٥)، والنسائي (٥/ ١٥)، وأحمد (٥/ ٢) (٢٠٠٣٠)، والحاكم (١/ ٥٥٤). والحديث سكت عنه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على ما قدمنا ذكره في تصحيح هذه الصحيفة ولم يخرجاه. وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٥/ ٤٨٠): إسناده صحيح إلى بهز. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>