للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكارا شديدا وممن أنكر ذلك على قائله وجعله محدثا ممن سمى لنا سعيد بن جرير وميمون بن مهران وقتادة وأيوب السختياني والنخعي والزهري وإبراهيم ويحيى بن أبي كثير والثوري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. قال الثوري: هو رأي محدث أدركنا الناس على غيره (١) وقال الأوزاعي: كان من مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار أما بعد: فإن الإيمان فرائض وشرائع فمن استكملها استكمل الإيمان. (٢) ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان وهذا المعنى هو الذي أراد البخاري إثباته في كتاب الإيمان وعليه بوب أبوابه كلها فقال: (باب أمور الإيمان) و (باب الصلاة من الإيمان)، و (باب الزكاة من الإيمان) و (باب الجهاد من الإيمان) و (باب حب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان) و (باب الحياء من الإيمان) و (باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان) و (باب اتباع الجنائز من الإيمان) (وباب أداء الصلوات الخمس من الإيمان) وسائر أبوابه. وكذلك صنع النسائي في (المجتبى) وبوب الترمذي على حديث: وفد عبد القيس (باب ما جاء في إضافة الفرائض إلى الإيمان) وكلام أئمة الحديث وتراجمهم في كتبهم يطول ذكره وهو معلوم مشهور ومما قصدوه بذلك الرد على أهل البدع ممن قال هو مجرد التصديق فقط كابن الراوندي ومن وافقه من المعتزلة وغيرهم إذ على هذا القول يكون اليهود أقروا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستيقنوها ولم يتبعوه مؤمنين بذلك وقد نفى الله الإيمان عنهم

وقال جهم بن صفوان وأتباعه: هو المعرفة بالله فقط وعلى هذا القول ليس على وجه الأرض كافر بالكلية إذ لا يجعل الخالق سبحانه أحد وما أحسن ما قاله العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته الكافية الشافية

قالوا وإقرار العباد بأنه ... خالقهم هو منتهى الإيمان

والناس في الإيمان شيء واحد ... كالمشط عند تماثل الأسنان

فاسأل أبا جهل وشيعته ومن ... والاهمو من عابدي الأوثان

وسل اليهود وكل أقلف مشرك ... عبد المسيح مقبل الصلبان

واسأل ثمود وعاد بل سل قبلهم ... أعداء نوح أمة الطوفان

واسأل أبا الجن اللعين أتعرف ... الخلاق أم أصبحت ذا نكران ... واسأل شرار الخلق أقبح أمة ... لوطية هم ناكحوا الذكران ... واسأل كذاك إمام كل معطل ... فرعون مع قارون مع هامان ... هل كان فيهم منكر للخالق ... الرب العظيم مكون الأكوان ... فليبشروا ما فيهموا من كافر ... هم عند جهم كاملو الإيمان ... وقالت المرجئة والكرامية الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب فيكون المنافقون على هذا مؤمنين وقد قال الله تعالى: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: ٨٤ - ٨٥] وغير ذلك من الآيات وهم قد نطقوا بالشهادتين بألسنتهم فقط وكذبهم الله عز وجل في دعواهم في غير موضع من القرآن.


(١) رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (١/ ٣١١)، والآجري في ((الشريعة)) (ص١٥١).
(٢) رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم في كتاب: الإيمان، باب: الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((بني الإسلام على خمس)). ووصله ابن أبي شيبة في مصنفه (٦/ ١٧٢)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ١/ ٧٨، وقال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (٢/ ٢٠): وهو إسناد صحيح ورجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>