للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يُذم تاركه، ويتعرض للعقوبة، فقد صدق. وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب، فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله، ولا يجوز أن يقع؛ فإن من فعل الواجب كما وجب عليه، ولم ينتقص من واجبه شيئا، لم يجز أن يقال: ما فعله، لا حقيقة ولا مجازا، فإذا قال للأعرابي المسيء في صلاته: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)(١) وقال لمن صلى خلف الصف وقد أمره بالإعادة: ((لا صلاة لفذ خلف الصف)) (٢) كان لترك واجب ... ) (٣).

فائدة: في مراتب النفي

قال الشيخ ابن عثيمين: (ونفي الشيء له ثلاث حالات: فالأصل أنه نفي للوجود، وذلك مثل: (لا إيمان لعابد صنم)، فإنْ منعَ مانعٌ من نفي الوجود، فهو نفي للصحة، مثل: (لا صلاة بغير وضوء)، فإن منع مانع من نفي الصحة، فهو نفيٌ للكمال، مثل: ((لا صلاة بحضرة الطعام)) (٤) فقوله: ((لا يؤمن أحدكم)) نفي للكمال الواجب، لا المستحب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا ينفى الشيء إلا لانتفاء واجب فيه، ما لم يمنع من ذلك مانع)) (٥). الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير- بتصرف- ١/ ١٧٤


(١) رواه البخاري (٧٥٧) , ومسلم (٣٩٧) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه ابن ماجه (١٠٠٣)، وأحمد (٤/ ٢٣) (١٦٣٤٠)، وابن حبان (٥/ ٥٧٩) , والبيهقي (٣/ ١٠٥). من حديث علي بن شيبان رضي الله عنه. مرةً بلفظ: ( ... لا صلاة للذي خلف الصف)، ومرة بلفظٍ: ( ... لا صلاة لرجل فرد خلف الصف، ومرةً بلفظ: ( ... لا صلاة لفرد خلف الصف). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (١/ ١٢٢): هذا إسنادٌ صحيح رجاله ثقات. قال الذهبي في ((المهذب)) (٢/ ١٠٣٦): إسناده صالح. وقال في ((تنقيح التحقيق)) (١/ ٢٦٣): إسناده قوي. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (١/ ١٧٦): إسناده حسن. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٤) وما بعدها.
(٤) رواه مسلم (٥٦٠) , من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٥) ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) (٢/ ١٦١)، وانظر: ((التعليق على صحيح مسلم)) له أيضا، (١/ ٢٤٨) وما بعدها، وفيه: (فإن قال قائل: وما حكم العمل إذا نفي الكمال، مع وجوده؟ قلنا: القاعدة عند العلماء: أن ما رتب عليه نفي الإيمان، فإنه يكون من كبائر الذنوب).

<<  <  ج: ص:  >  >>