للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ثبت في (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِأَخِيهِ الْيَوْمَ مَظْلِمَةٌ مِنْ عِرْضٍ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِرْهَمٌ وَلا دِينَارٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النارِ)) أخرجاه في (الصحيحين) (١)، فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه) (٢).

٤ - ومن ذلك: أحاديث الشفاعة وأنه يخرج أقوام من النار بعد دخولهم إياها، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي)) (٣)، وقوله: ((يَخْرُجُ مِنْ النارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ)) (٤).

إلى غير ذلك من الأدلة المشهورة المعلومة، التي أخذ بها أهل السنة فكانوا وسطا في النحل، كما أن أمة الإسلام وسط في الملل، وفي هذا يقول شيخ الإسلام: (وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد الوعيد، وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية، ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين المرجئة الذين يقولون: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية. فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله، وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة، وأنهم لا يخلدون في النار، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته) (٥).

تنبيه: لابد من نفوذ الوعيد في أقوام من العصاة:

قال شيخ الإسلام: (بل السلف والأئمة متفقون على ما تواترت به النصوص، من أنه لابد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة، ثم يخرجون منها. وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة، فهذا لا نعرفه قولاً لأحدٍ، وبَعده قولُ من يقول: ما ثمَّ عذابٌ أصلاً، وإنما هو تخويف لا حقيقة له، وهذا من أقوال الملاحدة والكفار) (٦).

وقال: (وهذا مذهب الصحابة والسلف والأئمة، وهو القطع بأن بعض عصاة الأمة يدخل النار، وبعضهم يغفر له) (٧).

وقال السفاريني: (ذكر بعض المحققين انعقاد الإجماع على أنه لابد سمعاً من نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة، أو طائفة من كل صنف منهم، كالزناة، وشربة الخمر، وقتلة الأنفس، وأكلة الربا، وأهل السرقة والغصوب، إذا ماتوا على غير توبة، فلابد من نفوذ الوعيد في كل طائفة من كل صنف، لا لفرد معين؛ لجواز العفو. وأقل ما يصدق عليه نفوذ الوعيد واحد من كل صنف. والأدلة قاضية بقصر العصاة على عصاة الموحدين.

وقد رتب بعض الناس على ذلك امتناع سؤال العفو لجميع المسلمين؛ لمنافاته لذلك، وهذا ساقط إلا إذا قصد العفو ابتداء لكل فرد من أفراد الأمة، على أن العفو يصدُق بما بعد العذاب والتعذيب، فمن قال بمنع المنع فهو المصيب، وبالله التوفيق) (٨) الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير- ١/ ١٦٨


(١) رواه البخاري (٢٤٤٩) بلفظ قريب مما ذكر الشارح، وليس هو في مسلم. قال الحافظ في الفتح: (وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا) ثم ذكر حديث المفلس.
(٢) ((شرح الطحاوية)) (ص٣٢٠) وما بعدها. وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٤٨٢).
(٣) رواه أبو داود (٤٧٣٩) والترمذي (٢٤٣٥) وأحمد (١٣٢٤٥). من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٤) رواه البخاري (٤٤) ومسلم (١٩٣) من حديث أنس رضي الله عنه.
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٣٧٤) وما بعدها.
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٠١) وما بعدها.
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (١٦/ ١٩). وانظر: (١٦/ ١٩٦)، (٢٨/ ٥٧٨)، ((الفتاوى الكبرى)) (٤/ ٢٢٦).
(٨) ((لوامع الأنوار البهية)) (١/ ٣٨٩) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>