للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيا ترى أي محبة هذه التي يخالف أصحابها شرع نبيهم، فيحلوا ما حرم الله, ويحرموا ما أحل الله، فكرهوا ما أحب الله ورسوله، وأحبوا ما كرهه الله ورسوله. فكيف تكون لهؤلاء محبة وهم قد ابتدعوا ما ابتدعوه من أمور لم تشرع في الدين، ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبرأ ممن ابتدع في هذا الدين فقال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (١) ..

والذي يجب على أمثال هؤلاء أن يعلموا أن محبة الرسول وتعظيمه إنما تكون بتصديقه فيما أخبر به عن الله، وطاعته فيما أمر به، ومتابعته، ومحبته وموالاته، لا بالتكذيب بما أرسل به، والإشراك به والغلو فيه، فهذا لا يعدو كونه كفراً به، وطعناً فيما جاء به ومعاداة له (٢).

كما يجب عليهم أن يفرقوا بين الحقوق التي يختص بها الله وحده، وبين الحقوق التي له ولرسله، والحقوق التي يختص بها الرسول، فقد ميز سبحانه بين ذلك في مثل قوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفتح: ٩]، فالتعزير والتوقير للرسول والتسبيح بكرة وأصيلاً لله، وكما قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ، فالطاعة لله ولرسوله، والخشية والتقوى لله وحده وكما يقول المرسلون: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح: ٣].

فعلى هؤلاء أن يعلموا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنال بدعائه والاستغاثة به، فتلك أمور صرفها لغير الله يعد شركاً مع الله, فالله وحده هو الذي يدعى, ويستغاث به, فهو رب العالمين، وخالق كل شيء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو القريب الذي يجيب الداع إذا دعاه, وهو سميع الدعاء سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ...

أما أصحاب القسم الثاني: فهم أهل التفريط الذين قصروا في تحقيق هذا المقام فلم يراعوا حقه صلى الله عليه وسلم في وجوب تقديم محبته على محبة النفس والأهل والمال. كما لم يراعوا ماله من حقوق أخرى كتعزيره, وتوقيره, وإجلاله, وطاعته, واتباع سنته, والصلاة والسلام عليه, إلى غير ذلك من الحقوق العظيمة الواجبة له. والسبب في ذلك يعود إلى إحدى الأمور التالية أو إليها جميعاً وهي:

أولاً: إعراض هؤلاء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي، وإسرافهم في تقديم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي.

ثانياً: اعتقاد الكثير أن مجرد التصديق يكفي في تحقيق الإيمان، وأن هذا هو القدر الواجب عليهم، ولذا تراهم يكتفون بالتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، دون تحقيق المتابعة له، وهذا هو حال أهل الإرجاء الذين يؤخرون العمل عن مسمى الإيمان, ويقولون إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، أو تصديق القلب وإقرار اللسان, وما أكثرهم في زماننا هذا.

ثالثاً: جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه وسلم، والتي من ضمنها محبته صلى الله عليه وسلم, فكثير من الناس - ولا حول ولا قوة إلا بالله - ليس لهم من الإسلام إلا اسمه وليس لهم من الدين إلا رسمه.

فالواجب على هؤلاء أن يعودوا إلى رشدهم, وأن يقلعوا عن غيهم، وما هم عليه من المعاصي والذنوب التي هي سبب نقصان إيمانهم, وضعف محبتهم, وبعدهم عما يقربهم إلى الله تعالى.


(١) رواه البخاري (٢٦٩٧) , ومسلم (١٧١٨).
(٢) ((الرد على الأخنائي)) (ص: ٢٤، ٢٥) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>