للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواقع أن (من تأمل أقوال العلماء في هذه المسألة وجد أنه لا خلاف بينهم في مناط الحكم وهو اعتبار الظاهر في الحكم على الناس، وإنما اختلفوا في تحقيق ذلك المناط، فيما يتعلق بالزنديق فمنهم من يرى ظاهره الإسلام لتظاهره بذلك (مستدلاً بالأدلة السابقة التي ذكرناها)، ومنهم من يرى أن ظاهره خداع المسلمين لا الرجوع إلى الإسلام، ولهذا لم يجزم من قال بقتله أنه لابد أن يكون كافراً في الباطن) (١).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله (والزنديق بالعكس (من الكافر الأصلي إذا تاب) فإنه كان مخفياً لكفره مستتراً به، فلم نؤاخذه بما في قلبه إذا لم يظهر عليه، فإذا ظهر على لسانه وآخذناه به فإذا رجع لم يرجع عن أمر كان مظهراً له غير خائف من إظهاره، وإنما رجع خوفاً من القتل) (٢). ثم ذكر قاعدة مهمة تنسجم مع قاعدة الحكم بالظاهر فقال: (وههنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها، وهي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره، بالإسلام لأنه ظاهر لا يعارضه ما هو أقوى منه، فيجب العمل به، لأنه مقتض لحقن الدم والمعارض منتف، فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره بعد القدرة عليه التوبة والإسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولا ظنية، أما انتفاء القطع فظاهر، وأما انتفاء الظن فلأن الظاهر إنما يكون دليلاً صحيحاً إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن خلافه .. وإذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته، وتكذيبه واستهانته بالدين، وقدحه فيه، فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا.

وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة، فلا يجوز الاعتداء عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الضعيف الذي قد ظهر بطلان دلالته) (٣)

ب- أما التساؤل الآخر: حول المسلم إذا ظهر منه الكفر:

فيقال فيه إن هناك فرقاً بين الحكم بإسلام المعين والحكم بكفره فالحكم بإسلامه يكفي فيه الإقرار والظاهر، وهو إسلام حكمي قد يكون معه المعين منافقاً في الباطن.

أما الكفر فليس حكماً على الظاهر فقط، وإنما هو حكم على الظاهر والباطن بحيث لا يصح أن نحكم على معين بالكفر مع احتمال أن يكون غير كافر على الحقيقة. ولذلك لابد من النظر للعمل الذي عمله هذا المعين هل هو أمر لا يحتمل غير الكفر؟ أم أمر يحتمل الكفر وعدمه؟ أم أن الأمر كفر في ظاهره ولكن يحتمل أن يكون معذوراً بجهل أو تأول (٤). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – ١/ ٢٠١


(١) رسالة ((ضوابط التكفير))، عبدالله القرني (٢٧٧)، قال ابن قدامة (وفي الجملة فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا. وأما قبول الله تعالى لها في الباطن وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهراً أم باطناً فلا خلاف فيه) ((المغني)) (٨/ ١٢٨).
(٢) ((أعلام الموقعين)) (٣/ ١٤٢) وانظر ((الإيمان)) لابن تيمية (٢٠٣).
(٣) ((أعلام الموقعين)) (٣/ ١٤٣) /، وانظر تفصيلاً لذلك في ((الصارم المسلول)) (٣٤٥ - ٣٥٨) , وقد ذكر شيخ الإسلام عدداً من الأدلة في قتل المنافق إذا تبين نفاقه فليراجع.
(٤) انظر تفصيلاً جيداً لهذه المسألة ولهذه الحالات في رسالة ((ضوابط التكفير)) لعبد الله القرني (٢٧٤ - ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>