للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة من هذه الآية على أن فاعل الكبيرة لا يكفر أن الله سمى المقتول أخاً للقاتل، مع أن قتل المؤمن كبيرة من كبائر الذنوب.

وقال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: ٩] , إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:١٠] (١)

[(اقتتلوا) جمع، و (بينهما) مثنى، و (طائفتان) مثنى؛ فكيف يكون مثنى وجمع ومثنى آخر والمرجع واحد؟!]

نقول: لأن قوله: (طائفتان): الطائفة عدد كبير من الناس، فيصح أن أقول: اقتتلوا، وشاهد هذا قوله تعالى: وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ [النساء: ١٠٢]، ولم يقل: لم تصل. فالطائفة أمة وجماعة، ولهذا عاد الضمير إليها جمعاً فيكون الضمير في قوله (اقتتلوا) عائداً على المعنى، وفي يقوله: (بينهما) عائداً على اللفظ.

فهاتان الطائفتان من المؤمنين اقتتلوا، وحمل السلاح بعضهم على بعض، وقتال المؤمن للمؤمن كفر، ومع هذا قال الله تعالى بعد أن أمر بالصلح بينهما للطائفة الثالثة التي لم تدخل القتال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: ٩] , إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات ١٠]، فجعل الله تعالى الطائفة المصلحة إخوة للطائفتين المقتتلتين.

وعلى هذا؛ ففي الآية دليل على أن الكبائر لا تخرج من الإيمان.

وعلى هذا؛ لو مررت بصاحب كبيرة؛ فإني أسلم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من حقوق المسلم على المسلم ((إذا لقيته فسلم عليه)) (٢)، وهذا الرجل ما زال مسلماً، فأسلم عليه؛ إلا إذا كان في هجره مصلحة؛ فحينئذ أهجره للمصلحة؛ كما جرى لكعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فهجرهم المسلمون خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم (٣).

وهل نحبه على سبيل الإطلاق أو نكرهه على سبيل الإطلاق؟

نقول: لا هذا ولا هذا؛ نحبه بما معه من الإيمان، ونكرهه بما معه من المعاصي، وهذا هو العدل. شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين– ٢/ ٢٣٧


(١) هذا دليل آخر لقول أهل السنة: إن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان
(٢) رواه مسلم (٢١٦٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) وقصة كعب بن مالك رضي الله عنه في الصحيحين: رواها البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>