للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله موقف الأئمة من الفرق المشهورة فيقول: (وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير (المرجئة) و (الشيعة المفضلة) ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع – من هؤلاء وغيرهم – خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة، ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب، فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير (الجهمية المحضة) الذين ينكرون الصفات، وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره، وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال) (١)، ثم بين سبب التنازع، فيقول: (وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة، فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان، الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً، فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابوا في ألفاظ العموم في كلام الأئمة، ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، بين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة، الذين أطلقوا هذه العمومات (٢)، ولم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه .. ) (٣)، ثم ضرب مثالاً كرره في عدة مواضع – وهو موقف الإمام أحمد من أعيان الجهمية فقال: (مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم، وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلاة خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالاً مبتدعين، وظلمة فاسقين) (٤)،


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٣٥١، ٣٥٢)، (٢٨٢)، وانظر (٧/ ٥٠٧).
(٢) مثل قولهم، من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ونحو ذلك.
(٣) ((الفتاوى)) (١٢/ ٤٨٧، ٤٨٨).
(٤) ((الفتاوى)) (٧/ ٥٠٧، ٥٠٨))، وانظر (١٢/ ٤٨٨)، (٤٨٩، ٢٣/ ٣٤٨، ٣٤٩) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>