للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالباطنية زعموا أن أئمتهم وأولياءهم يعلمون ما كان وما يكون، ومن النقولات في ذلك ما ذكره صاحب (تأويل الدعائم) من أنه (جاء عن أولياء الله من الأخبار عما كان ويكون من أمر العباد) (١) وجاء في كتاب (المجالس المؤيدية) (أن الأئمة يعلمون من أمر المبدأ والمعاد ما حجبه الله عن كافة العباد) (٢)، وروى النعمان القاضي عن المعز لدين الله أنه قال: ( ... أفمن أودعه الله علم ما يكون يجهل فضله ... فكيف بمن علمه الله علم ما يكون مما لم يكن بعد) (٣)، وقال المعز: (إن عندنا علم ما يطلب، كقول جده علي: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة لا تسألوني عن علم ما كان وما يكون، ومن علم ما لا تعلمون إلا أخبرتكم به ... ) (٤)، فهذه النصوص- كما نلاحظ- فيها دعوى أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون من أمر العباد وأمر الجن أو المعاد.

ومثل ذلك ما نقل عن الرافضة حيث ينسب الكليني إلى جعفر الصادق قوله: (ورب الكعبة ورب البنية لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله وراثة) (٥). وينسبون إلى الحسن بن علي رضي الله عنه قوله: (إنا نعلم المكنون والمخزون والمكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد وذريته) (٦).

ولا حاجة للإشارة إلى كذبهم على الحسن- رضي الله عنه- أو جعفر الصادق- رحمه الله- وإنما المقصود أن الرافضة يعتقدون فيهم هذا، ولهذا نقلوا هذه الأقوال عنهم ونسبوها إليهم.

وهذه الفكرة موجودة لدى المتصوفة فبينهم وبين الرافضة أوجه شبه كثيرة من أهمها تقديس الأئمة والأولياء.

فهذا عبد الكريم الجيلي صاحب كتاب (الإنسان الكامل) يزعم أنه كشف عن حقائق الأمور على ما هي عليه من الأزل إلى الأبد وأنه رأى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة ... إلخ (٧).

وهذا الشعراني في كتابه (الطبقات الكبرى) ينقل عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما في اللوح المحفوظ ساعة بساعة (٨)، ومما قاله المتصوفة: ( ... وينبغي على المريد أن يعتقد في شيخه أنه يرى أحواله كلها كما يرى الأشياء في الزجاجة) (٩).

ويدخل في ذلك الكهانة والعرافة ونحوها، وكذلك إتيان الكهنة والعرافين وتصديقهم بما يقولون.

ب- اعتقاد أهل السنة في ذلك وحكم من ادعى علم الغيب

اعتقاد أهل السنة في ذلك:


(١) ((تأويل الدعائم)) للقاضي النعمان (١/ ١٤٥).
(٢) ((المجالس المؤيدية)) لهبة الله الشيرازي (٤٤١) نقلاً عن ((الإسماعيلية))، لإحسان إلهي ظهير (٣٧٦).
(٣) ((المجالس والمسايرات)) للقاضي النعمان (٤٠٤).
(٤) ((المجالس والمسايرات)) للقاضي النعمان (ص: ٤٠٤)، وقد كذبوا على علي رضي الله عنه فيما نقلوا عنه.
(٥) ((الكافي)) للكليني (١/ ٢٦٠ - ٢٦١).
(٦) ((دلائل الإمامة)) أبو جعفر الطبري الشيعي (ص: ٦٧).
(٧) ((الإنسان الكامل)) (٢/ ٩٧).
(٨) راجع ذلك وأمثاله في ((الفكر الصوفي)) (ص: ١٧٩ - ١٨١). لعبد الرحمن عبد الخالق
(٩) ((رماح حزب الرحيم في نحور حزب الرجيم)) (١/ ٢٨) نقلاً عن ((التيجانية)) (ص: ١٨٤)، د. علي الدخيل الله, وانظر نصوصاً أخرى في نفس الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>