للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحاديث الشريفة في هذا المعنى كثيرة ومنها حديث وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث جاء فيها: (( ... واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ... )) الحديث (١).

وجاء في دعائه صلى الله عليه وسلم قوله: ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) (٢) فهذه كلها نصوص صريحة الدلالة في أن النفع والضر والرزق والخلق والتصرف والنصر كلها من الله عز وجل، فلذلك لا يجوز أن يدعى ويطلب من غيره النفع والضر أو الرزق كما لا يجوز أن يعتقد في غيره أن له تصرفاً في الكون من خلق وغيره، فكل ذلك شرك صريح مناقض لقول القلب.

قال الشيخ صنع الله الحنفي رحمه الله في الرد على من ادعى ذلك: (هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفاً بحياتهم وبعد مماتهم، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات وبهممهم تكشف المهمات، .... ) قال: (وهذا كلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومضادة الكتاب العزيز المصدق، ومخالفة لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة)، ثم قال: فأما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات: فيرده قوله تعالى: أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [النمل: ٦١]، وقوله تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف: ٥٤] , لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى: ٤٩] , ونحوها من الآيات الدالة على أنه المتفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه فالكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً وإماتة وخلقاً ... ) (٣). وقال الشيخ صديق خان في تعليقه على قوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ [النحل: ٧٣]: (ومفهوم الآية أن قول العامة: إن الأنبياء والأولياء والشهداء والأئمة لهم تصرف في العالم، وقدرة عليه، ولكنهم شاكرون لتقدير الله تعالى، راضون بقضائه، ولا يقولون شيئاً ولا يفعلون أمراً، أدباً منهم، ولو شاءوا لغيروا الأمور في آن، وسكوتهم إنما هو تعظيماً للشرع الشريف غلط فاضح، وكذب واضح؛ لأنهم لا يستطيعون شيئاً لا حالاً ولا استقبالاً، ولا حول لهم على ذلك أصلاً، وهذه العقيدة فيها شرك بالله سبحانه وتعالى؛ لأنه ليس في الدار غيره ديار (٤).

ومن خلال هذه النقول يتبين حكم هذه المسألة، القطعية المجمع عليها. و ... في ختام هذا المبحث ... أشير إلى مسألة الاستسقاء بالنجوم لأن البعض قد يغلط فيها ... :

قال الشافعي في تعليقه على حديث زيد بن خالد: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)) (٥)، قال رحمه الله: ( ... ومن قال مطرنا بنوء كذا، وهو يريد أن النوء أنزل الماء، كما عني بعض أهل الشرك من الجاهلية فهو كافر، حلال دمه إن لم يتب)، وقال الإمام ابن عبد البر في معنى الحديث، قال: فمعناه على وجهين: أما أحدهما: فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل، فذلك كافر كفراً صريحاً، يجب استتابته وقتله إن أبى، لنبذه الإسلام ورده القرآن، والوجه الثاني: أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه، وهذا وإن كان وجهاً مباحاً، فإن فيه أيضاً كفراً بنعمة الله عز وجل وجهلاً بلطيف حكمته ... ) (٦). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي الوهيبي- ٢/ ٨٦


(١) رواه الترمذي (٢٥١٦) وأحمد (١/ ٢٩٣) (٢٦٦٩) وأبو يعلى (٤/ ٤٣٠) والطبراني (١٢/ ٢٣٨) قال الترمذي حديث حسن صحيح، وقال ابن حجر في ((هداية الرواة)) (٥/ ٥٥): حسن, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٤/ ٢٣٣): إسناده صحيح, وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٢) رواه البخاري (٨٤٤) ومسلم (٥٩٣) من حديث المغيرة بن شعبة,
(٣) ((فتح المجيد)) (ص: ١٧٣ - ١٧٥).
(٤) ((الدين الخالص)) (٢/ ٨).
(٥) رواه البخاري (٨٤٦)، ومسلم (٧١).
(٦) انظر ((تفسير القرطبي)) (١٧/ ٢٢٩،٢٣) وانظر تفصيل لذلك ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٤٥٤ - ٤٥٥) ((الدين الخالص))، (٢/ ١٢٨ - ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>