للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك من صور الإعراض المكفر، الإعراض عن حكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: ٤٧ - ٥١]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في تعليقه على هذه الآيات: (فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن، وإن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا، فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالنقض والسب ونحوه) (١)، فشيخ الإسلام يبين أن الإيمان يزول بمجرد الإعراض والترك المحض لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو لم يقترن بهذا الترك استحلال أو جحود والله أعلم.

وقال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا [النساء: ٦١] , قال الإمام ابن القيم في معنى هذه الآية: (فجعل الإعراض عما جاء به الرسول والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه والتسليم لما حكم به رضى واختيار ومحبة فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق ... ) (٢).

وإذاً نستخلص من كلام الأئمة في تفسيرهم للآيات وكلامهم عن كفر الإعراض أن الإعراض الناقض للإسلام هو إعراض عن أصل الإيمان، إما أن يعرض إعراضاً تاماً عن تعلم أصول الدين مع قدرته على ذلك أو عن قبولها والانقياد القلبي لها، أو يعرض إعراضاً تاماً عن العمل بالجوارح (أن يترك جنس العمل)، أو يعرض عن حكم الله ورسوله. نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي الوهيبي– ٢/ ١٢١


(١) ((الصارم المسلول)) (ص: ٣٩).
(٢) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٣/ ٣٥٣) انظر ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٥٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>